وردت إلينا عدّة أسئلة حول منحة الوفاة التي يقدمها صندوق الضمان الاجتماعي لزوجة المتوفى، أو بناته غير المتزوجات، أو أبنائه الصغار، هل هي حق لجميع ورثة الميت، أم هي مختصة بمن عيّنهم صندوق الضمان الاجتماعي؟
خلاصة الاستشارة:
لا تعدّ منحة الوفاة مالا مورَّثاً، وليس للورثة فيها حقّ، بل هي منحةٌ مختصّة بمن عيّنتهم الجهة المانحة، وفق الشروط والمواصفات المقيَّدة.
أولا: التكييف الفقهي لمنحة الوفاة.
عَدُّ المال الممنوح لذوي الصّلة بالميّت من زوجةٍ وصغارِ أبناء ونحو ذلك، مالاً مُورَّثاً يدخل في ضمن تركته، أم لا؛ متوقّف على معرفة تقدُّم ملكه للمتوفّى أم لا؛ أي: هل المال الممنوح يكون ملكاً للمتوفّى فيصير إلى ورثته، أم لا يُملَّك له بل يُدفع مباشرة من الجهة المانحة إلى الممنوح لهم من أفراد أو فئات معيّنة، وفق شروط وأوصاف مخصَّصة؟ وذلك أنّ ما يورث عن الميّت منحصرٌ بما تقدّم له الملك فيه أو سببه، ولا يتعدّى إلى غير ذلك.
وبالنظر في المنحة؛ نجد مصدرها هو صندوق الضّمان الاجتماعي، سواء كان للأجراء، أو لغير الأجراء، وإذْ نحيل السّائل على مراجعة الاستشارة رقم (10)، الصادرة عن الهيئة، والتي بيّنت طبيعة صندوق الضمان الاجتماعي، والأموال التي فيه، وحكم الانخراط فيه؛ نذكّر -فيما يتّصل بهذه المسألة- بما يلي:
صندوق الضمان الاجتماعي، ومنه أيضا صندوق التقاعد، هو صندوق يتمّ تمويله باشتراكات مقتطعة من أجور الموظفين، واشتراكات يدفعها التّجار وأصحاب المهن الحرّة، وبدعم من ميزانية الدولة، وهذا الأخير (أي دعم الدولة) يمثل الجزء الأكبر من تمويلات الصندوق.
ما يُقدَّم من منح للعمّال والموظّفين سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم؛ ليس متمحِّضًا من تلك الاقتطاعات، وليس على سبيل المعاوضة عليها بنِسَب اشتراكهم، بل هي من مجموع ما في الصندوق من موارد، دون نظر إلى نسبة الاشتراك، بل إنّ العامل إذا تُوفّي بعد أن عمل مدّة يسيرة كأقلّ من شهر؛ فإنّه يستحقّ المنح، وإن كان لم يؤخذ من أجره أيّ اقتطاع بعد.
الاشتراكات المقتطعة من أجور العمّال هي إسهامات إلزامية تفرضها الدولة من باب السّياسة العامّة في نظام الرعاية الاجتماعية، ومن باب المصلحة الجماعية المعتبرة، ولذلك فحكمها حكم الوظائف والكُلَف السلطانية (الضرائب) التي أجازها الفقهاء في حال كونها بالعدل، ومقتضيات المصلحة، كما في هذه الصّورة، حيث إنّ هذه الاقتطاعات ذات معنى تكافلي تعاوني، وتنعدم فيها حقيقة المعاوضة، أو قصد الاسترباح للجهة المنظّمة، ولذلك فهي في معنى التبرّع.
وإذا ثبت كون اشتراكات العمّال والموظّفين في هذا الصندوق هي اقتطاعات سوّغها المعنى التكافلي، وأنّ حقيقة المعاوضة في هذا النظام منتفية؛ فقد خرجت الاقتطاعات عن مِلْك العمّال والموظّفين إلى مِلْك الصندوق، كخروج مال الضريبة، ومال الزكاة، ومال الخراج، ومال الصدقة، والمال المأخوذ تعزيراً، عن ملك صاحبه إلى ملك الآخذ.
وإذا أضيف إلى خروج الاقتطاعات عن ملك العمّال والموظّفين؛ أنّ منحة الوفاة ليست متمحّضة من تلك الاقتطاعات كما سبق ذكره، بل أكثرها تمويلٌ من الدولة، ومن إسهامات المؤسسات التجارية، والتجار؛ صارت أبعد ما تكون عن مِلْك المتوفَّــى.
حكم المسألة:
على أساس التكييف المذكور؛ لا تعدّ منحة الوفاة تركة، وليس للورثة فيها حقّ، بل هي حقٌّ مختصٌّ بمن حدّدته الجهة المانحة، حيث إنّ المال الممنوح هو ملك للجهة المانحة، تتصرّف فيه وفق إرادتها ومقاصدها، وفق الشروط والمواصفات المقيَّدة. والله تعالى أعلى وأعلم
أعضاء الهيئة الموقعون على الاستشارة
الشيخ لخضر الزاوي // أد. عبد الحق حميش // أد. عبد القادر داودي // أد. مختار حمحامي // أ. محمّد سكحال // أ. سمير كيجاور // أد. يونس صوالحي // أد. عبد القادر جدي // د. محمّد هندو // أد. ماحي قندوزي