قراءة في كتاب “التراث وإشكالياته الكبرى” لجاسم سلطان
قراءة في كتاب “التراث وإشكالياته الكبرى” لجاسم سلطان
Post published:6 ديسمبر، 2020
أهم الموافقات مع الكاتب:
1. أهم عوائق التجديد:
– المعطيات السياسية.
– المعطيات الاجتماعية.
– مناهج البحث.
2. عمق الأزمة يحتاج إلى صدمات وعي تتناسب مع حجم الخمول.
3. لا بد من قراءة التاريخ وعرضه كما هو بإشراقه وإظلامه، ولا بدّ من إعادة تنظيم علاقتنا بالماضي. ولهذا جاء كتابه متخصصا في قراءة التاريخ من جهة الأمراض.
4. الوضع المتأزم الحالي ميراث القرون السابقة، وكثير من إشكالات اليوم عمقها في ذلك التاريخ.
5. التاريخ لا يجيب عن كل أسئلة الحاضر والمستقبل، ونحن معنيون بالبحث عن حلول إشكالاتنا في الحاضر لا في الماضي.
6. هناك حالة من تمجيد التاريخ، والاكتفاء بإسقاط اللوم على المستعمر بوصفه أساس التخلف. ما أعاق اكتشاف أوجه الخلل في الذات الحضارية.
7. الحالة الدينية جزء كبير من مشكلتنا اليوم.
8. محكمات القرآن وكلياته ومفاهيمه الجديدة عابرة للزمان والمكان، أسلافنا اغترفوا منها بحسب بيئتهم وأوعيتهم في الاستيعاب التاريخي.
9. التاريخ السياسي الضاغط على الوعي هو منطلق قراءة التاريخ.
10. نشوء فهوم وسلوكات باسم الدّين اختلطت بالدين نفسه، وصعب الانفكاك الآن.
11. عدم صياغة النظريات وبنائها على فلسفة معينة، والاكتفاء في الإجابة على أسئلة كبرى وكلية بطريقة الفقهاء في الإجابة على فرعيات المسائل، واستدعاء نص من هناك وهناك لذلك.
12. نقد الخطاب الديني الذي يبشر بالحل الإيماني المعزول عن سياق العمل المتعقل ومتطلبات الواقع وعالم الأسباب. وظاهرة التصوف الانسحابي، والغلو في اعتقاد الخوارق والكرامات
13. نقد الرضا بواقع الاستبداد، ونقد عدم استخلاص المواقف والنظريات من الصراعات السياسية التاريخية في الأمة، ونقد التوظيف المغرض لقضايا الشريعة في شرعنة الاستبداد.
14. إقرار الأئمة للحكم الاستبدادي كان في سياق الموازنة بين تلك المفسدة ومفسدة الاحتراب الذي يهدد كينونة الأمة ككل في وسط الأعداء، ولكن المرفوض هو سحب الفكرة من سياقها المناطي لتصبح قاعدة من قواعد الفكر السياسي جملة.
15. غياب تراث سياسي حقيقي يجمع بين الالتزام بالدين والمحافظة على الوجود والاستقرار.
16. الوضع المزري للأمة اليوم، والذي يلخصه كونها لا تنتج ما تأكل وما تلبس وما تداوي وما تدفع به عادية الأعداء.
17. تقزم المفاهيم القرآنية عند بعض المفسرين، وانحسارها في دلالات جزئية.
الانتقادات:
المأخذ الأول: عدم التخصص وضعف التحقيق:
يتكلّم الكاتب بغير تخصّص في تخصّصات دقيقة، وفي مسائل من هذه التخصصات هي أشكلها وأعضلها، وتحتاج إلى إلمام بالتخصص وروافده من العلوم، فجاءت معارفه سطحية، تشبه الخواطر والانطباعات، فهو يقرأ كما يحلو له دون أن يكلّف نفسه عناء تقديم ما يكفي من البراهين في إثبات أحكام دقيقة وخطيرة، بينما يظن هو أنّ المعارف التي يقدّمها عميقة، فهل يمكننا القول: إنّ هذه المشكلة عامة في هذا النوع من الكُتّاب؟!
ومن أمارات عدم التحقيق:
– إشكاليته مع مسألة اليقين في الشريعة:
أين يُطلب اليقين ويشترط، وأين لا يطلب ولا يشترط، هو يعتبر أنّ كلّ ما هو من الدين ينبغي أن يكون يقينيا: الأحاديث النبوية لا بدّ أن تكون يقينية، قواعد أصول الفقه لا بد أن تكون يقينية، الأحكام الفقهية يقينية، بينما المسألة ليست بهذا التصوّر، والدين ينقسم إلى جزئيات وكليات، وفروع وأصول، ومحكمات وخلافيات … والتظنن المبني على القرائن والأمارات أصلٌ في التشريع الجزئي والفرعي والخلافي، وهو أيضا من الدّين.
ومن ثمّ يرى إشكالية كبرى في ظنية صحة الأحاديث، وظنية الجرح والتعديل، وظنية بعض مسائل الأصول: فيطرح فكرة التجديد بمعنى اطراح هذه المظنونات، والاستعاضة عنها بأحكام العقل والتجريب.
بينما قضية المقاربة لا فكاك منها في جميع العلوم، وليست علوم الشريعة عن ذلك بمعزل، ولو أنه وقف على كتاب متخصّص في الباب، كنظرية التقريب والتغليب للريسوني؛ لأدرك الموضوع بعمق، وأنّ الشريعة جرت في التكليف بمقتضاها على عادات المخاطبين، ومن عاداتهم تحكيم الظنون الناشئ عن القرائن المعتبرة، أمّا اليقين فعزيز. هذا لو سلّمنا أن ما يومئ إليه من بديل العقل والتجريب سالم من التظننات، بينما نعتقد أنه أوغل فيها من قرائن الشريعة وأماراتها.
ولو أنه تفقه في منهجية عمل الأئمة بالأحاديث لعلم أنّ صحة الحديث وحدها لا تقتضي العمل به إلا في ضوء منظومة الأدلة ومناهج الموازنة والترجيح بينها، حتى تزداد الصحة تقويا بمؤيدات خارجية، فكم من حديث رواه الأئمة في كتبهم ولم يعملوا به على صحته، فليس الذي يعاب هو تصحيح الحديث بالمظنة، بل العمل به معزولا عن منظومة الأدلة، وماذا يقول الكاتب في ظنية اللغة ذاتها، فها هو القرآن قطعي في ثبوته، ولكنه يحتمل في التفسير وجوها كثيرة، فهل يجد سبيلا للتخلص من ظن الدلالة؟!
فالصحيح أنّ النظرة المنظومية للأدلة هي المخرج من ظاهرة السطحية والاجتزاء، وليس التخلص من الأحاديث، ومن أصول الفقه.
– إشكاليته مع النسخ الأصلية:
النسخ الأصلية لكتب السنة على رأسها البخاري، فيطرح مشكلة الموثوقية من نسبة الكتب على ما هي عليه الآن إلى أصحابها، وما يمكن أن يكون دخلها من زيد ونقص، جاهلا أنّ وجود النسخ الأصلية لم يكن يوما هو المرجع في إثبات موثوقية نسبة الكتاب لصاحبه، وعلى هذا تواضع البشر منذ قرون، بل مسلك الإثبات هو تواتر نقل الكتاب عن صاحبه من طرق عديدة، وإثبات ذلك في الكتب. فالقرآن نفسه ليس بين أيدينا النسخة التي كتبت على عين رسول الله r، ولا حتى النسخ الأصلية لمصاحف عثمان. وضياع الأصل لا يعني شيئا بعد انتشار الكتب المنسوخة عنه، بآلاف طرف التي حصل بمجموعها التواتر، والاختلافات اليسيرة بين النساخ لا تضر، وهل تلك الاختلافات المعدودة يمكنها أن تضع لنا دينا جديدا بهذا التهويل. بل لو ضاع البخاري بجميع نسخه رأسا، لم يضرّنا ذلك في الدين، لأن ما في البخاري موجود في كتب السنة الأخرى، مسند الحميدي، وموطأ مالك، ومصنف عبد الرزاق، ومسند أحمد … والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وغيرهم، بل مسلم وحده اتفق مع البخاري في 1906 من الأحاديث، فالسنة الموثوقة هي مجموع ذلك. [ينظر مقال شرف محمد جابر]
ومن هنا عاب على علماء الحديث تنزلهم على شروط البخاري في تصحيح الأحاديث، وعاب عليهم تجويز العمل بالضعيف في فضائل الأعمال [ولا أدري هل هو محصّل لمعنى هذه المسألة، وأنّ المقصود بها مزيد من الترغيب في المندوبات والفضائل التي تندرج تحت أصول البرّ والعمل الصالح بالتسامح في حكاية ما روي فيها من أجور معينة]كأنه يودّ -زيادة على تمحيص البخاري- لو يطرح ما سوى البخاري من الأحاديث في البحر، بينما البخاري لم يقل إنّ ما سواه ضعيف، بل غاية صنيعه أنه انتخب الأعلى صحة، ودرجات الصحة صحيحة كلها، وإثبات تلك الدرجات، بل حتى إثبات الضعيف وميزه عن الموضوع والباطل مفيد، وليس مضرا، وأغراضه لا تخفى على ممارس العلوم، أقلها ما تساءلته في نفسي وأنا أقف على رغبته في طرح كل ما سوى البخاري: كيف لو وجد حديثا مما يضعف خادما لفكرة من أفكاره التجديدية، ما يصنع به؟ فألفيته بعد صفحات يستحسن حديث إرسال معاذ إلى اليمن لما فيه من الدعوة للاجتهاد!
إنه يفترض أنّ الأحاديث من شأنها أن تخلق مشاكل لهذا العصر، فينبغي التخلص منها قدر المستطاع. بينما نحن نفترض أنّ فيها حلولا، ولا نخشى من أيّ حديث يصحّ أو لا يصحّ في ضوء منظومة الأدلة.
لقد نظر الكاتب في رغبة التخلص من الأحاديث إلى احتمال عدم الثبوت، لكنّه أهمل كلية احتمال الثبوت. لهذا بدا عليه السرور والحبور لأن الــــ 600 ألف حديث التي نخل منها البخاري كتابه، لا يوجد منها اليوم إلا 250 ألف حديث، بينما نرى نحن في ذلك العدد ثروة، يحزننا عدم الوقوف عليها.
– قوله إن أبا هريرة ليس بفقيه، لمجرد أنه أفتى فيمن أصبح جنبا ولم يغتسل بأنه مفطر.
فلو جئنا لكل صحابي أو إمام من أئمة الفقه بفتوى قال فيها بالظاهر من النص، ولتكن غلطا؛ فأسقطنا عنه صفة الفقه من يبقى فقيها؟! بينما التماس العذر فيها سائغ، والظن في هذه المسألة أن الحديث الذي استند إليه أبو هريرة منسوخ بحديث عائشة الذي لم يعلم به. بل كان الأمر عند بدء فرض الصيام المنع من الجماع والأكل والشرب بعد النوم، فيحتمل أن حديث الفضل الذي رواه أبو هريرة كان حالئذ، ثم نسخ مع نسخ حكم المنع المذكور.
بل كان أبو هريرة أحد الخمسة الذين انتهت إليهم الفتوى بالمدينة. وقد ولي البحرين لسيدنا عمر بن الخطاب، مع المعلوم من شدة عناية سيدنا عمر بانتقاء الولاة، فهل يولّي رجلا غير فقيه، والوالي هو رأس الناس.
والذهبي يقول في أبي هريرة: (الإمام الفقيه المجتهد الحافظ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال عنه: (وكان من أوعية العلم مع الجلالة والعبادة والتواضع)، وكان بعض الصحابة كابن عباس يحيل عليه في الفتيا. [انظر: أبو هريرة راوية الإسلام، لمحمد عجاج الخطيب]
فأتساءل: إذا كان المؤلف لا يتفق مع هذا الرأي، كيف يقتضي المنهج المنصف الذي يؤسّس له، أن يشيح كلية عن هذه المعلومات ولا يدخلها في موازنة الدراسة الدقيقة.
– قوله عن الشافعي: إنه يأخذ بالحديث لمجرد الصحة، وأنه أبطل الاستحسان، وأنكر العرف، ولم يأخذ بالذرائع، وأنه يحصر الاجتهاد في القياس. كله كلام غير محقق، والظن أنه لا يدري تحصيل هذه المسائل كيف هو. [انظر: الشافعي، لأبي زهرة].
– يحكي روايات القصاصين، ولا يبين مدى موثوقيتها ليبني عليها أحكاما تؤسس لمنهج في التفكير. كحكاية أنّ من قتل الشافعي هو أشهب. ليقول: إنّ التعصب إلى حدّ القتل من نظريات الفكر الإسلامي في التاريخ حتى على مستوى الأئمة أنفسهم. بينما أهل التحقيق يذكرون أن الشافعي مات من نزف البواسير، والأخبار في ذلك أكثر وأوثق، ويقول ابن حجر في حكاية الشجة: (لم أر ذلك من وجه يعتمد) [توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس]. وقال فيها الراعي الأندلسي: (لم يصح ولم ينقل من وجه يعتمد) [انتصار الفقير السالك].
– قوله إن أبا حنيفة كان يرى أولوية آل البيت بالخلافة، بينما الأئمة لم تكن المسألة في ذهنهم هكذا: أمويون وعلويون، بل كانت مسألة عدل وشورى وأهلية.
– كلامه عن أسباب نشوء الفرق أشبه بالانطباع وجمع شتات المقروءات عن الموضوع من هنا وهناك، فلا تخرج بحصيلة مركزة عن القضايا التي من أجلها نشأت الفرق، بل تحير كيف يعدّ أساس فكرة الخوارج هو تجويز تولية غير القرشي، بينما أساس فكرتهم: الجهل، والتكفير بما لا يكفّر.
– عدم تحريره للفرق بين العقل الاجتهادي المتخصص الذي هو محل ثقة الشريعة، والعقل بإطلاقه.
المأخذ الثاني: عدم الاستقراء والاستقصاء:
– يرى أن أغلب حقبات تاريخنا الإسلامي كانت في المحصّلة مظلمة لا مشرقة، بل الحالات المشرقة كانت فترات استثنائية وحالات فردية، لكنه لم يقدم لنا استقراء كافيا للجزم بهذا الحكم.
– يقرّر أن العصر الجديد يبدأ بالاعتراض على مسلّمات العصر السابق، وهذا كلام لا يُسلّم بهذا الإرسال، فليست كلّ مسلّماتنا السابقة ولا معظمها باطلٌ بالضرورة.
– تعميم ما ليس عاما، وعنونة ما ليس عنوانا (على الأقل فيما قدّمه هو من الاستقراءات المحدودة التي لا ينتظم من مثلها القضايا الكلية)، مثال ذلك ما يسميه: نظرية سوء الزمان، ونظرية الجبر … لم يقدم لنا ما يكفي من الاستقراءات الدالة على أن هذه الأفكار كانت نظريات معيقة لمسار التقدم.
– نمذجة ما ليس نموذجا: فيقدّم لنا فقهاء تسطيح المفاهيم كنموذج أساسي للحركة الفقهية في التراث، بينما لا نرى أنهم كانوا النموذج الأبرز لتلك الحركة. وجاء بأسوء ما قيل في القدر وجعله نموذجا بينما كتب العلماء في المسألة كتبا ناصعة البيان، فلماذا أغفلها في موازنة النقد والتقييم. وهكذا في مسألة أثر قدرة العباد في أفعالهم، وهل تتمحض عن خلاف حقيقي وعميق، أم هي أقرب إلى النزاعات اللفظية الكثيرة في أبواب الجدل والكلام. وهكذا في قوله إن البيئة الجديدة لم ترحّب بالعلوم الكونية.
وهذا المأخذ (نمذجة ما ليس نموذجا) يؤدّي بنا إلى عدم التسليم بفكرته في إعابة العلوم الإسلامية ذاتها، لماذا تكون المشكلة في العلوم بينما هي فيمن تعاطاها من زيد وعمرو من الناس، ممن لا يصحّ نمذجتهم؟
المأخذ الثالث: موقفه من التنظيمات والحركات:
يتصف جليا بالتعجل، وما يوحي بالذاتية. ويظهر ذلك فيما يلي:
– يحصر العامل الأساسي في نشوء جماعات العنف في الفكر التراثي. ولكنّه لم يحرّر لنا مدلول العنف المذموم عنده، فربما يكون من المقاومة والجهاد المشروع فيما نرى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى -إن كان يقصد الغلوّ والتطرف الداعشي ونحوه- فقد أغفل عامل الاستبداد والظلم الاجتماعي الداخلي، وأغفل العامل الخارجي في الموضوع، وليست عوامل جانبية إلى درجة الإغفال، بل هي أوتار حساسة في الموضوع.
بينما المعضلة السياسية هي أحد العوائق الكبرى للتجديد إن لم تكن العائق الأكبر، وقد أفصح عن ذلك في صدر الكتاب فيما سمّاه (المعطيات السياسية)، و(التاريخ السياسي الضاغط على الوعي)، لكنّ تحليله للمسألة في إسقاطاتها المعاصرة غاب تماما عن الكتاب. وهو أمرٌ مدهش! وفي المقابل نجد عنده تحاملاً على المعتنين بمقاربة الحلّ السياسي، وهم التنظيمات الحركية والسياسية، فيقفز بلا أدنى مقدّمات أو تقديم لمعطيات إلى اتهامها بسوء قراءة التاريخ، والبحث عن حلول الحاضر في الماضي، وأنها لا تهتم بالعلوم الإنسانية، وتفضّل فكرة الاستعلاء والعزلة، وترفض كليةً الأفكار المحيطة والوافدة، ويمثّل لأفكار الحركة الإسلامية بأسوء ما تفرّع عن بعضها من الغلوّ. ومن ثمّ دعا إلى التحرّر والخروج من التنظيمات، ممّا يوحي جليًّا بعدم الموضوعية، وأنه يشبه أن يكون صادرا في حكمه على التنظيمات عن أزمة شخصية، أو تجربة ذاتية.
يعتبر أنّ الحركة الإسلامية فشلت، وأنّ فشلها يعود إلى منظومتها الفكرية. وهذا حكمٌ دونه تساؤلات وإجابات ودراسات معمّقة: كم عمر الحركة الإسلامية؟ ما إمكانياتها؟ ما هي الجبهات المضادة؟ ما إمكانيات هذه الجبهات؟ مع ذلك ما هي إنجازات الحركات الإسلامية: تركيا، المغرب، الجزائر، تونس، مصر، السودان … هل فعلا فشلت، أم أنها حققت صحوة دينية، واحتضانا شعبيا بحيث فازت في كلّ الانتخابات النزيهة، وحقّقت انتشاراً نخبوياً، بل شاركت في الحكم حينا، ووصلت إلى سدّته حينا، وحصلت عليها انقلابات دموية، مسنودة بالقوى العالمية؟ على الأقل إذا اختلفنا في هذه الحصيلة هل هي نجاح أو فشل؛ كيف يمكن الحكم بهذا القدر من التعجل دون تقديم إجابات للتساؤلات المطروحة؟!
المأخذ الرابع: عدم تقديم الحلول:
– نوافقه أنّ في التراث ما ينبغي أن يراجع، وبينما يقر بخطورة المراجعة ومزالقها ومحاذيرها وأننا في ذلك أمام طريقين: أن ندع الناس على ما ألفوه، أو نهدم كل شيء، وكلاهما غير مجد، وأنه لا بد من طريق وسط. بينما ذلك: لم يذكر لنا ما هي تلك المخاطر، سوى أنّ ترك المألوف صعب على النفس، وذكر أيضا: الخوف من الانكشاف التاريخي، والخوف على مكانة الأشخاص، وما يصاحب ذلك من إحباطات. بينما المخاطر أعظم وأفدح بكثير، ولا يمكن بناء مقاربة تجديدية إلا في ضوء فهم عميق للمخاطر.
بينما كنت أنتظر (بحسب عنوان كتابه، لا بحسب تأصّله في النقد؛ إذ عرفت منه أنه لا يأتي بطرح عميق) كلامًا على منهجية مفصّلة ودقيقة لمقاربة تجديدية؛ وجدت أنّ الكتاب ليس موضوعه هذه المقاربة، وأنّ موضوعه المفضّل هو إثارة الإشكالات التي يُحسن كلّ أحد طالع ما كُتب في التجديديات إثارتها، وهذا لا يتناسب مع الصورة التي يتقدّم بها المؤلف للجمهور، من ريادة مشروع حضاري تجديدي.
بل راح يطيل النفس في مسألة الجبر، ويعدّها من أبرز معوّقات الفكر الإسلامي المعاصر، بينما هي محسومة من بعيد، وأثرها في الحركة الراهنة خافت، بينما معوقات أبرز وأظهر في عصرنا كالمعوّقات السياسية، مرّ عليها بدون فحص ولا دراسة.
وإذا كان هكذا أتساءل في ختام هذه القراءة الموجزة: وقد ذكر المؤلف أنّ من معوّقات التجديد: مناهج البحث، هل كتب المؤلف بالمنهج؟ أم هو نفسه وقع في اللامنهج؟ وهل هذا النوع من الكتابات يسهم في معالجة الإشكالات أم يزيد من تعقيدها؟