الاستشارة رقم -10-: حكم الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد
الاستشارة رقم -10-: حكم الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد
Post published:31 يوليو، 2020
صدرت بتاريخ: الجمعة 10 ذو الحجة 1441ه
مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]
جوابًا على السؤال الآتي:
السلام عليكم، لو سمحتم: أريد الاستفسار عن الحكم الشرعي للانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى صندوق التقاعد، وشكرا.
خلاصة الاستشارة:
صندوق الضمان الاجتماعي الذي تشرف الدولة على تنظيمه؛ عبارة عن تأمين تكافلي، يسهم المنخرطون فيه بأقساط من رواتبهم ومداخيلهم، على جهة التبرع، سواءً كان إجباريا أو اختياريا، ليعود النفع على المتضرر منهم، والمحتاج إلى تعويض نفقات معينة، دون أن يتضمن ذلك قصد الاسترباح، لا بالنسبة للدولة، ولا بالنسبة للمنخرطين. أمّا صندوق التقاعد فهو عبارة عن مدخرات تقتطع من راتب العامل، مضافا إليها بعض الإعانات من الدولة، لتأمين معاش العامل بعد توقفه عن العمل، وتوقف دخله.
وبناءً عليه؛ فالانخراط في كلا الصندوقين جائز، بوصفهما من التأمينات التكافلية الجائزة، المشمولة بقاعدة: (الأصل في المعاملات الإباحة)، وما فيهما من شبه الربا، والجهالة، والغرر، المتفرعة عن شائبة المعاوضة، مغتفر، معفو عنه، وليس مؤثّرا في صحّة المعاملة بهما؛ لكون جانب التبرع هو الأغلب فيهما، وأيضًا فإنّ التأمين الاجتماعي يُعدُّ من الرعاية الواجبة على الدولة لمواطنيها تحقيقًا لمصلحتهم الاقتصادية والاجتماعية، والإجبار الذي يعتور المعاملة اقتضته ضرورة التنظيم، والتصرف المناط بالمصلحة العامة.
أوّلًا: تصوير المسألة:
الضّمان الاجتماعي نظامٌ تأمينيٌّ تشرف عليه الدولة، وظيفته الأساسية: توفير الحماية للأفراد من الناحية الاقتصادية، والاجتماعية، وذلك باقتطاع نسبة من الراتب الشهري الخاص بالموظف، كما تقوم الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها بدفع قسط عن هذا العامل، تجمع الاقتطاعات في صندوق، لتوفير مزايا وتعويضات للمنخرطين على نحو مفصل في قانون منظّم، وهو المرسوم التنفيذي (92-07) المؤرخ في: 04 جانفي 1992، والذي قسّم الضمان الاجتماعي في الجزائر على النحو الآتي:
1- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للعمال الأجراء (CNAS)، ويخضع لهذا الصندوق: العمّال الأجراء، وأزواجهم، والأولاد المكفولون، وفئة الطلبة والعمال المقبولين للتكوين في الخارج.
2- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لغیر الأجراء(CASNOS) ، ويخضع لهذا الصندوق غيرُ الأجراء، الممارسون لعمل مهني مستقل، وهم التجار وأصحاب المهن الحرّة.
يوفّر الصندوقان: الأداءات النقدية للتأمين على المرض، ومصاريف العلاج، والجراحة، والأدوية، والأداءات المتعلقة بالتأمين على الأمومة (الولادة)، وعلى الوفاة، والعجز، وعلى حوادث العمل والمرض المهني.
الصندوق الوطني للتقاعد (CNR)، يستفيد منه كلّ العمّال والموظّفين، وكذا أصحاب المهن الحرة عند بلوغ سنّ الستين سنة على الأقل، وقضاء خمسة عشر سنة على الأقل في العمل.
يتمّ تمويل صناديق الضمان الاجتماعي من خلال الاشتراكات المقتطعة من أجور الموظفين، والاشتراكات السنوية التي يدفعها التجار وأصحاب المهن الحرّة، والدولة، وتتحمّل الدولة دائما أكبر نسبة من أجزاء القسط المدفوع إلى المؤمَّن.
ثانيًا: التكييف الفقهي.
1- الضمان الاجتماعي يقوم على فكرة التضامن الاجتماعي الذي يكون بين مجموعة من الأشخاص، الهدف منه التعاون فيما بينهم على ترميم الأضرار، ومساعدة بعضهم البعض، والاشتراك في تحمّل المسؤولية. والصناديق التي تنشأ لهذا الغرض تَـحُلّ محلّ هؤلاء الأشخاص، وعليه فإنّ صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد يندرج تحت المقصود العام للتأمين التعاوني.
2- التأمين الاجتماعي يعتبر مظهرا من مظاهر السّياسة العامّة للدولة، ويُعدّ من الرعاية التي عليها التزامها تجاه مواطنيها في حال العجز والشيخوخة والمرض ونحو ذلك، فهو داخلٌ في مسؤوليتها عن تأمين حاجات مواطنيها الأساسية.
3- التأمين الاجتماعي من باب الادّخار، فالعمّال والموظفون وكذا أصحاب المهن الحرّة يُسْهمون في هذا الصندوق من خلال الاقتطاعات الإجبارية، والاشتراكات التي يستفيدون منها في تعويضات العلاج، وفي معاش التقاعد، فكان ما يأخذونه من تعويضات ومعاش التقاعد هو في جزء منه: أموالهم التي ادّخروها في صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد.
4- الإجبار الذي تمارسه الدولة من خلال التأمين الاجتماعي القصد منه تحقيق المصلحة العامة التي تقتضي وتخوّل للحاكم التصرف فيه بالتقييد، وتحديد قيمة الاشتراكات، وتحديد نِسب التعويضات، وإلزام العمال والموظفين وأصحاب المهن الحرّة بالانخراط في هذه الصناديق ودفع الاشتراكات.
ثالثًا: حكم المسألة.
ترى هيئة الاستشارات الشرعية بإجماع أعضائها المشاركين في هذه الاستشارة جواز الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي بنوعيه (الأجراء، وغير الأجراء)، وصندوق التقاعد، وجواز الاستفادة من التعويضات التي تمنحها هذه الصناديق.
وقد استــندت الهيئة الشرعية في جواز الضمان الاجتماعي إلى جملة من القواعد الشرعية، منها:
قاعدة الإباحة: إذ الأصل في المعاملات الإباحة، حتى يرد من الشرع ما ينقل عن ذلك، وليس في هذه المعاملة محظورات شرعية تنقلها عن هذا الأصل.
وما يُتوهّم من اشتمال عقد التأمين الاجتماعي على الرّبا وتأثير الغرر على صحّته غير صحيح، ذلك:
– أنّ التعويضات التي يأخذها المشتركون في الصندوق، والتي تكون -في بعض الحالات- أكثر من الأقساط المقتطعة من رواتبهم ليس ربًا، لأن الربا لا يجري في التبرعات، وهذه التعويضات هي إسهامات تبرعية من الموظفين، مدعومة بأقساط من الدولة، على سبيل الرعاية الاجتماعية.
– الغرامات التأخيرية المفروضة على التأخّر عن سداد الاشتراكات بالنسبة لأصحاب المهن الحرّة هي من العقوبة على مخالفة النظام، وليست من الربا أيضا؛ لأنّ الربا يتحقق في المعاوضات المحضة، والقروض، والديون. والتأمين الاجتماعي لا يدخل تحت أيٍّ منها، كما أن الربا يكون بتعاقد رضائي بخلاف العقوبة.
– وأمّا الغرر الموجود في التأمين الاجتماعي فغير موثّر؛ لأنّ الغرر والجهالة مُغتفران في عقود التبرّعات، وعقد التأمين الاجتماعي من عقود التبرّعات وليس من عقود المعاوضات.
قاعدة المصلحة العامة:والمتمثلة في تحقيق التكافل والتعاون الاجتماعي على أساسٍ من التبرّع، بعيدًا عن غرض الرّبح، الذي يعود بالمصلحة على الطبقات المختلفة في المجتمع، ورفع مستواها المعيشي.
قاعدة: «تصرّف الإمام على رعيّته منوط بالمصلحة»: وهو ما يبيح للدولة وضع مخطط الضمان الاجتماعي، ونظام التقاعد، وتحديد نطاقه، وتحديد نسب الاشتراك، وقيمة التعويضات، مع إجبار العمال وأصحاب المهن الحرّة في الدخول فيه.
الادخار: التأمين الاجتماعي يدخل أيضا في باب الادّخار للحاجة، وهو جائز بالإجماع.
رابعًا: الهيئات الشرعية التي أفتت بالجواز .
مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف في مؤتمره الثاني عام 1385هـ/1975م.
هيئة كبار العلماء بالسعودية في 4 ربيع الآخر1397ه/24 مارس1977م.
المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة، في قراره رقم 05، شعبان 1398ه/جويلية 1978م.
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، جدّة، في قراره رقم: 2/9/9، ربيع الآخر 1406ه/ديسمبر 1985م.
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، قرار رقم: 80 (20/2)، بتاريخ: رجب1431 ه/جوان 2010م.
أعضاء الهيئة الموقعون على الفتوى
سماحة الشيخ لخضر الزاوي// أد. عبد الحقّ حميش // أد. عبد القادر داودي// أد. مخـتار حمحامي // أ. سـمير كـيجاور // أ. مـحمّد سكحال // أد. يونس صوالحي // أد. عبد القادر جدي // د.محـمّـد هـندو // أد. ماحي قـندوز.