«الحرقة»على الاصطلاح الشّبابي، أو بتعبير لغوي أوضح «الهجرة غير الشرعية»، ظاهرة استفحلت استفحال النّار في الخشب، تفشّت في بلدنا وبين شبابنا، صارت هي الحلّ والأمل والملاذ الوحيد في نظرهم لتخطّي المشاكل والصّعاب، فلا تكاد تحاور شابًّا -إن لم نقل حتّى الفتيات- إلّا وتجد لديه أملاً فيها قريبًا كان أو بعيدًا، هروبًا من مجتمعه إلى مجتمع آخر، قد يجد فيه أرقى سبل العيش الكريم، والمميزات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ووراء هذه الظاهرة في وطننا تضافرت عدّة عوامل وأسباب كان لها وقع في حدّتها، سنشير إليها تباعًا في غضون هذه السّلسلة.
وقد آثرنا بدءًا في هذه الجزئية أن نسلّط الضوء على مصطلح «الحرقة» من منظور لغوي مفاهيمي، ندرس من خلاله ما يحمله من معاني ودلالات، مبيّنين مرجعيته التاريخية التي تردّدت بين الإثبات والنّفي، بتتبّع علمي، واعتماد أسلوب سلس ميسّر، علّه يكون أدعى للقبول والاستيعاب لدى شبابنا.
أولا: مفهوم الحرقة في اللّغة والاصطلاح.
الحرقة في اللّغة:من الفعل أحرق، وله عدّة معاني منها:
– حرقة الشّعر احتراق في أصوله فينسل: يقول الفراهيدي: «الحرقة احتراق في أصول الشعر فينحَصُ»[3].
– الحرّاقة سفينة فيها مَرَاميَ نيرانٍ:
قال الفراهيدي: «الحرّاقَّات سُفُنٌ فيها مرامي نيرانٍ يُرمى بها العدوّ في البَحر»[4].
– لذعة الألم والحزن والوجع:
مُتسّلباتٍ نُكدهنّ وقد ورى … أجوافهنّ بحُرقة وروانٍ [5]
– حرقة الجوع:
قال يصف أُتنا أبعدهنّ الحمال عن مشرب به صائد جائع:
لوّحهنّ العطش النّسيس … عن مشرَع دانٍ له النّاموس … من الشّقا محترق جسوس …
– همّ القلب وحرقته:
لقد صرتُ من بعده في ضنًى … وقلبي لأجل الفراق احترق[6]
– الاحتراق الهلاك:
أعلّل بالمنى نفسي ومالي … سوى اليأس الذي فيه احتراقي[7]
الحرقة في الاصطلاح المعاصر:
فهي تلك للهجرة غير الشرعية من دول العالم الثالث نحو الدول الغربية، وأكثرها من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وفي غالب أحوالها تكون سرية وعبر البحر، مخالفة لما هو متعارف عليه دوليا في قانون الهجرة، بدافع الفرار من شبح البطالة، والفقر، وتصيّد فرص العمل وهذا هو الغالب، أو سعيا للمغامرة والاستكشاف والسيّاحة دون رجعة، وفي كثير من الحالات مؤدّاها الموت في عمق البحر.
بيان العلاقة بين المعنى اللّغوي والاصطلاحي لمصطلح الحرقة:
باعتبار ما ذكرناه من معاني لغوية للفظ «الحرقة»، وترادفه من حيث الاصطلاح مع مسمّى «الهجرة غير الشرعية»، لا نلمس أيّ علاقة واضحة بينهما، تبيّن مرجعية إطلاق ذات اللّفظ على الهجرة غير الشرعية. وهذا ما كان دافعا للتحقيق في مرجعية المصطلح الشائع على ألسنة الشباب في واقعنا المعاصر.
المرجعية التّاريخية لمصطلح الحرقة بين النّفي والإثبات:
الحرقة أو الحرّاقة (بتشديد الرّاء ونطق القاف جيما مصرية) مصطلح شاع استعماله في الجزائر والمغرب الأقصى خصوصًا، ويعني أولئك الشباب الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط باتجاه دول أوروبا في قوارب الموت مخترقين الأطر القانونية، مجازفين بحرق وثائقهم وهوياتهم، بله ماضيهم طمعا في اكتساب هوية جديدة ومستقبل زاهر.
وحسب آراء الشباب؛ فإنّ ملهمهم الوحيد هو طارق بن زياد الليثي، فاتح الأندلس في عهد الخلافة الأموية، الذي عند تجاوزه للبحر، وعندما قاد جنوده للضفّة الثانية، عمد إلى حرق كلّ السفن التي كانوا على متنها، موجّها رسالةً بفعله لجيشه، كي لا يفكّر بالتراجع عن القتال، وتعبيرًا منه عن قراره الحاسم بفتح الأندلس لا غير، أو الشهادة دونها. واشتهرت قولته على الألسنة: (أيّها النّاس، أين المفرّ، العدوّ أمامكم والبحر وراءكم، فليس لكم النجاة إلاّ بالسيوف).
فكان تيّمن شبابنا بهذه الواقعة، وتمسّكهم بتلك المقولة، فكانت لهم قوّة وعزيمة على الهجرة «الحرقة» مهما كان الثمن. ومن هنا كان لزاما علينا الوقوف على هذه المرجعية التاريخية وتحقيق القول فيها، تحكيما لها بميزان التّاريخ لمعرفة حقيقتها من وهمها، وبالتالي إمّا إثباتها أو نفيها.
التّحقيق في مرجعية القصة:
شاعت خطبة طارق بن زياد وقصة حرقه للسفن، قبيل موقعة «واد برباط» من أجل تحريض الجيش على القتال، أمام جيش مهول لا يُحصى عدّا، لكن لا وجود لهذا الأثر في سيرة الفاتح طارق بن زياد، ولو كانت لذكرت في أمّهات المصادر المعتمدة في الفتوحات الإسلامية مثل: «فتوح مصر والأندلس» لابن عبد الحكم، و«فتوح البلدان» للبلاذري، و«الكامل في التاريخ والعبر» وغيرهم. وهناك من نسبها إلى «أرياط» الذي انتدبه النّجاشي لقتال «ذو نوّاس» ملك اليمن اليهودي الذي حفر الأخدود وأحرق المؤمنين من النصارى، فبعد وصوله لمدينة «عدن» أحرق السفن وقال مقولته.[8]
كما سبق وأشرنا لو صحت الحادثة ونسبتها لطارق بن زياد؛ لذكرت في السير والمغازي والفتوحات، فلم يتمّ نقلها ولا حتى التعليق عليها، سوى الزركلي في «الأعلام»[9] الذي أشار إلى حادثة حرق السفن عند ترجمته لطارق بن زياد، ثمّ أورد مصادر الترجمة مثل: «معجم ما استعجم» للبكري، و«جمهرة أنساب العرب»، و«نهاية الأرب»، و«نفح الطِّيب»، وبعد رجوعنا لتلكم المصادر ألفينا عدم ورود الحادثة فيها.
وعلى فرض حدوث الواقعة أصلا، لجاءت فيها تعليقات وانتقادات من علماء وفقهاء ومحلّلين، ولورد في كتب الفقه حكمها الشرعي، لكن لا شيء وارد من هذا القبيل.[10]
كما يحتمل أنّ المؤرّخين الأوربيين هم من ساقوا خبر الحادثة، وأشاعوه تفسيرًا لانتصار جيش ابن زياد، فقالوا: لولا حرق السفن لانسحب المسلمون وفرّوا إلى بلادهم قبل المعركة.[11]
وحاصل القول بعدماذُكر: أنّ مرجعية الحرق واستمدادها من حادثة حرق السفن من قِبل فاتح الأندلس لا أساس لها من الصحة بأيّ حال، وعليه فلا مجال للتأسي بها في تجويز الهجرة غير الشرعية أو حتّى وسمها بــــ «الحرقة»!
ثانيا: الحرقة عبر قوارب الموت في المجتمع الجزائري: توصيف الظاهرة.
دُقّت نواقيس الخطر من طرف المنظّمات الحقوقية والجهات المعنية مُؤذنة بالتّزايد الرّهيب لظاهرة «الحرقة»، والتي أضحت حديث السّاعة بين مختلف فئات المجتمع الجزائري، ظاهرة لم يقتصر أمرها ووقعها على شباب في ريعان العمر بأعمار ومستويات متفاوتة، بل تجاوزته إلى فئة النّساء والأطفال ناهيك عن الرُّضع.
فقد ارتفعت وتيرة هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة لتشكّل مأساة حقيقة، جعلت من قوارب الصّيد قوارب موتٍ محقّق، نتيجتها جثث لموتى يلفظها البحر على ضفافه يوميا، إضافة لمئات المفقودين في عرضه وآلاف المعتقلين من قِبل السّلطات. فهذه الحصيلة المدمّرة أصابت سهامها صميم الأمّة الجزائرية وصمّام أمانها وهم الشّباب، شباب استُنزفت آماله فآثر المضي نحو مصير مجهول طمعًا في حياة أفضل متطلّعا لمستقبل زاهر وباحثا عن الرّفاه في بلد غير بلده.
ففي الفترة الآخيرة، وفي غضون أشهر من هذه السنة، وبالرّغم من قساوة الظروف المناخية وتقلّبات الطقس الشتوية، ارتفع منحنى ظاهرة الحرقة، لتبلغ الجزائر فيه رقما قياسيا وصل حسب إحصائيات رسمية جزائرية سجلّتها وزارة الدفاع إلى 12700 حالة هجرة غير شرعية ما بين مفقودين وموتى وحالات تمّ إحباطها.
ومن خلال هذه الحصيلة العامّة نلحظ عودة الظاهرة بقوة، جالبة معها مآسي للعائلات الجزائرية بقدها لأبنائها، مشكّلة عائقا ووصمة عار في تاريخ حكومة، تسيّر بلدا بحجم قارة بأكملها، تركه أبناؤه وخلّفوا خيراته ليبحثوا عنها في بلدان غربية …
أمّا عن إحصائيات الظاهرة بمختلف فئاتها، فهذا ما سنحاول طرحه بتفصيل من خلال بيان ما يلي:
1- ضبط أهمّ الموانئ والحدود التي تعتبر منافذ للمهاجرين غير الشرعيين.
2- نظرة عامّة حول الظاهرة بدءا من سنة 1990م بالجزائر.
3- إحصائيات الظاهرة بعد تجريمها قانونيا من طرف المشرّع الجزائري سنة 2009م.
أوّلا: أهمّ الموانئ والحدود الجزائرية التي تعتبر منافذ للمهاجرين غير الشّرعيين:
عموما فإنّ أوّل نقاط عبور «الحرّاقة» تمثّلت في الموانئ المتواجدة عبر السّاحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وخصوصا موانئ المغرب العربي، وتحديدًا: تونس، الجزائر والمغرب.
حيث كان «الحرّاقة» يهاجرون من الجزائر عبر البواخر التجارية وناقلات البترول سرًّا، لترسو بهم في موانئ أوروبية.
ومع بداية التسعينات (1990) تغيّرت منافذ العبور لتتحوّل مباشرة عبر المحميات الإسبانية في المغرب (سبتة ومليلية)، حيث يتوجّه الحرّاقة إلى هذين المنفذين ليمكثوا فيهما وقتا، ثمّ يتمّ تحويلهم إلى موانئ إسبانيا. ثمّ بدأت عملية الحرقة في الجزائر بعد (2001م)، تتبنّى المراكب البسيطة ذات المحرّك الواحد، انطلاقا من الشواطئ الجزائرية الغربية باتجاه إسبانيا مباشرة، ومن الشواطئ الشرقية نحو جزر إيطاليا (جزيرة سردينيا).
وحسب ما كشفت عنه وزارة الدفاع الجزائرية فإنّ أهمّ المناطق التي تعتبر منافذ للشّباب الجزائري لتحقيق حلم «الحرقة» تمثّلت في السّواحل «محور الحرّاقة»، حيث أشارت إحصائيات أنّ أكبر موجات «الحرقة» كانت عبر شواطئ ولايات: الطّارف، عنّابة وسكيكدة شرقا، ومستغانم، وهران، الشلف، تلمسان وعين تموشنت غربا، وبدرجة أقّل ولايات الوسط كبومرداس وتيبازة.
وبذلك تعتبر شواطئ الولايات الغربية الجزائرية الأكثر استقطابًا لعمليات الحرقة باتجاه إسبانيا، لقربها من الجزائر مقارنة بالشواطئ الإيطالية التي تبعد عنها. واتخذّ الحرّاقة تلكم المنافذ الشرقية والغربية الجزائرية لاحتوائها على الخلجان والشواطئ الواقعة خارج نطاق الرقابة الإقليمية للدرك الوطني، ولبعدها عن أبراج المراقبة والمحطّات العملياتية لحرس السّواحل. كما يعتمدون على منافذ الصّيد البحري، حيث شكّلت نسبة عمليات الحرقة عبر قوارب الصيد 70% من مُجمل العمليات.
ثانيا: نظرة عامّة حول الظاهرة خلال التسعينات (1990م).
كانت الدولة الجزائرية محتلّة من طرف الاستدمار الفرنسي، ممّا أدّى إلى هجرة المواطنين إلى فرنسا بغية توظيفهم في الورشات والمصانع، وكون هذه الأخيرة (فرنسا) بحاجة إلى الأيدي العاملة، فكانت الهجرة في بادئ الأمر شرعية بخضوعها لقوانين ورقابة السلطات الفرنسية.
ومع بداية الستينات (1960م) تزايد عدد المهاجرين الجزائريين بطرق غير شرعية إلى فرنسا ليبلغ آنذاك 65% من عدد المهاجرين الإجمالي.
وممّا لا يخفى أنّ الجزائر عاشت خلال فترة التسعينات أوضاع أمنية صعبة زيادة على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، ممّا أدّى إلى استمرار النّزوح حيث بلغ نسبة 70% نحو الدول الأوروبية.
ثالثا: إحصائيات الظاهرة بعد تجريمها قانونيا من طرف المشرّع الجزائري سنة 2009م.
مع بداية التسعينات شهدت دول الاتحاد الأوروبي اكتفاءً، فتبنّت إجراءات قانونية تهدف للحدّ من الظاهرة، وكانت الانطلاقة باتفاقية «شنغن» التي دخلت حيّز التطبيق من 1985م، فكان لهذه الإجراءات القانونية آثار عكسية، حيث استفحلت الظاهرة، وأصبحت تلك الدول قبلة للحرّاقة من مختلف دول العالم ومنها الجزائر.
وبما أنّ الجزائر كانت تعتبر في نفس الوقت منطقة عبور وانطلاق ووصول للمهاجرين غير الشرعيين، باعتبار موقعها الاستراتيجي، صارت من أبرز الدول المعنية بمكافحة تلك المشكلة، وبتزايد عدد الحرّاقة عبر مختلف شواطئ الوطن بداية من سنة 2006م، إلى غاية 2008م، خاصّة شواطئ عنّابة التي أصبحت نقطة انطلاق لبلوغ الضفة الغربية، حيث بلغ عدد الحرّاقة سنة 2007م حوالي 1800 مهاجر غير قانوني، أمّا سنة 2008م وفي شهر أوت فقط تمّ إحباط 86 محاولة حرقة بينهم فتيات وقُصر، ومع بداية 2008م تمّ توقيف 800 حرّاق على طول السّواحل الوطنية، وتمّ إنقاذ 301 حرّاق من موت محقّق. لتكون مُجمل الحصيلة ما بين 2006 إلى 2009 أكثر من 3400 مهاجر تمّ إنقاذهم و600 مهاجر تمّ ترحيلهم من إسبانيا نحو الجزائر في ذات الفترة، بغض النّظر عن الحالات التي استوطنت هناك.
مع هذه الحصيلة، وموازاةً بتصاعد شبكات الإجرام المتخصّص في التّهجير، متّخذة منها منفذًا للكسب السّريع، أقرّ مجلس الوزراء الجزائري المنعقد في: 01-09-2008 مشروع قانون جديد يجرّم الخروج غير القانوني من التّراب الوطني بعقوبة تصل إلى 06 أشهر سجنا للحرّاقة، و10 سنوات لمنظمي عملية الحرقة، وتضاعف العقوبة في حالة ارتكاب الجريمة من قِبل شخص يستفيد من تسهيلات بحكم منصبه كأعوان الأمن وحرس السّواحل والحدود. ووافق البرلمان الجزائري على هذا القانون ودخل حيّز التطبيق مع بداية 2009م.
ولكن بالرّغم من تصدّي المشّرع الجزائري لظاهرة الحرقة عن طريق تجريمها بأحكام من قانون العقوبات، إلّا أنّ هذه الأحكام لم تؤت ثمارها، ولم تكن كفيلةً للحدّ من الظاهرة، ولا أدّل على ذلك من استفحالها أكثر، إذ شهدت السنوات بعد سنّ القانون انتشارًا واسعًا لها، حيث بلغت نسبة الحرّاقة سنة 2010م حوالي 62 شخصًا أسبوعيا أي ما يفوق 1000 حرّاق في السنة أغلبهم من الشباب متّجهين نحو السواحل الإسبانية.
– وسجّلت حصيلة ما بين 2011م إلى 2015م نحو 4900 مهاجر غير قانوني نحوا سواحل إيطاليا وإسبانيا وباريس.
– وفي سنة 2016م أعلنت الرّابطة الجزائرية في تقرير لها أنّ خفر السّواحل سجّل إحباط محاولات 1300 حرّاق غير شرعي في فترة وجيزة لا تتعدّى شهرين.
– ومن جانفي2017م إلى غاية ديسمبر2017م، سجّلت قوّات حراسة السّواحل البحرية إحباط محاولات حرقة لـــ 3200 مهاجر غير قانوني، من بينهم 186 امرأة و840 قاصر، والبقية شباب وكهول. كما ذكر الأمين العامّ المكلّف بالجالية والعلاقات الخارجية للرّابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أنّ إحصائيات حرس السواحل لا يعكس العدد الحقيقي للحرّاقة الجزائريين، كون العدد أكبر بكثير وهو يفوق 17500 حرّاق تمكنّوا من الوصول للشواطئ الإسبانية والإيطالية، إضافة للآلاف من المفقودين.
– لتصل حصيلة سنة 2018 حسب ما كشفت عنه «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان» بتسجيلها رقمًا قياسيًا جديدًا في عدد «الحراقة» بحوالي 4000 محاولة تمَّ إحباطها، من بينهم 287 امرأة، وأزيد من 1100 قاصر، و3000 حالة وفاة وفقد، من الفاتح جانفي من ذات السنة إلى مطلع 2019.
كما أوضحت نفس البيانات فتح قرابة 200 قضية تتعلق بظاهرة الحرقة على مستوى العدالة في 2018.
خاتمة القول:
بعد عرض هذه التقارير والإحصائيات التي تؤكّد أنّ الجزائريين على رأس راكبي قوارب الموت، يمكننا القول أنّ سنتي 2017 و2018 تعتبران من أسوء السنوات من ناحية تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، أو ما بات يُعرف شعبيا بــــــ «الحرقة»، حسب تقارير حكومية وغير حكومية أعدّتها الدّول الأوروبية التي باتت الوجهة الأولى للمهاجرين غير الشرعيين، كإيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وباريس: أكثر من 29.000 جزائري وصلوا أوروبا خلال الأشهر الأخيرة، وتضع الأرقام الـمُعبّر عنها رؤساء الحكومات والمسؤولين في حرج على المستويين الداخلي والخارجي، كون الجزائر حطّمت رقمًا قياسيًا في ظاهرة «الحرقة الجماعية» التي تشارك فيها عائلات بأكملها، نساءً وأطفالاً وشيوخًا للوصول إلى ضفة شمال المتوسّط ليعيشوا في الجنّة الأوروبية الخيالية.
– فهل أصبحت الجزائر لا تتّسع لاحتواء أبنائها ليهجروها؟
– على من تقع المسؤولية وما هي الأسباب والدوافع وراء هذه الظاهرة؟
– هل من رجاحة الرّأي أن نباشر معالجة النتائج والمخلّفات ونتغاضى عن معالجة الأسباب والدّواعي؟
هذا ما نجيب عليه في الجزء الثاني من هذا المقال بحول الله.
[1] – ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، تح محمد محمد حسين، دار الآداب، القاهرة، 1950م، ج2، ص367.
[2] – ديوان سلامة بن جندل، محمد بن الحسن الأحول، تح فخر الدين قباوة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م، ص168.
[3] – العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تح مهدي المخزومي، دار الهلال، ج3، ص45.