الاستشارة رقم -21-: حكم أخذ الطبيب مكافآت مالية من الشركة الصيدلانية مقابل كتابة أدويتها في الوصفات.

You are currently viewing الاستشارة رقم -21-: حكم أخذ الطبيب مكافآت مالية من الشركة الصيدلانية مقابل كتابة أدويتها في الوصفات.

الاستشارة رقم -21-: حكم أخذ الطبيب مكافآت مالية من الشركة الصيدلانية مقابل كتابة أدويتها في الوصفات.

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستشارة رقم: 21 _____________________  صدرت بتاريخ: الجمعة 22 شعبان 1443ه

مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]

عنوان المسألة: حكم أخذ الطبيب مكافآت مالية من الشركة الصيدلانية مقابل كتابة أدويتها في الوصفات. ______________________________________

وقد وردت جواباً على السؤال الآتي: هناك أدوية علمية ومؤثرة في العلاج، وسعرها مناسب، وعليها موافقة حكومية، هل يجوز للشركة الصيدلانية الاتفاق مع الأطباء على أن يكتبوا أدويتها في الوصفات، مقابل مكافآت مالية، ولذلك عدة صور كالآتي: يقول مندوب الشركة الصيدلانية للطبيب: إذا كتبت أدوية شركتي لمدة ستة أشهر في الوصفات الطبية أعطيك مبلغا من المال؟ مثلا: يقول له: اكتب الأدوية قدر 10 آلاف دولار، لمدة 6 أشهر، وأعطيك هدية جهاز آيفون.أو يقول له: اكتب أدوية شركتنا قدر 10 آلاف دولار، في مدة مفتوحة، نحن نعطيك خمسة مثاقل من الذهب.أو يعطيه في مقابل ذلك: سهمًا من سعر تلك الأدوية، مثلا: لك 10% من سعر الأدوية الإجمالي الذي تكتبه.أو يدفع الصيدلاني للطبيب تكاليف تربص علمي في الخارج.أو يقول له: سأشتري لك كل سنة جهاز آيفون ولكن في المقابل اكتب أدوية شركتنا بدون تحديد المدة.أو يقول له: أنت حر، تكتب أدوية شركتنا أولا تكتب، ولكن كل ستة أشهر نحصي أدويتنا على قدر المبلغ الذي كتبته، سنعطيك عشرة بالمية، أو نشتري لك جهازا طبيا.أو أن الشركة الصيدلانية لا تتفق مع الطبيب، ولا تتواصل معه، ولكن كلّ ستة أشهر تقوم بإحصاء مبيعاتها من الأدوية، ثم تكافئ الأطباء الذين كتبوا علامات أدويتها في الوصفات بمكافآت مالية.- ‏أو أن الشركة الصيدلانية ترسل هدايا وإكراميات للأطباء سلفا، قبل عرض أدويتها في السوق، وبعد عرضها في السوق تطلب منهم كتابة أدويتها في الوصفات.أو أن الشركة ترتب سفرات علمية لإحدى الدول الأوروبية مع تحملها للتكاليف مكافأة للأطباء الذين كتبوا أدويتها، دون أن يكون هناك اتفاق مسبق معهم، ودون أن تطلب منه فعل ذلك في المستقبل، وهل للشركة أن تطلب منهم كتابة الأدوية مستقبلا؟ علمًا هناك منافسة في السوق لشركات أخرى للأدوية، ولكن الصيدلاني يحتاج الطبيب للترويج، فهل هذا جائز شرعًا؟ الصورة العكسية: هل يجوز للطبيب أن يقول للشركة الصيدلانية: أعطني مبلغا من المال وأنا أكتب أدويتك في الوصفات الطبية، وإذا لم تعطني فأنا لن أكتب أدوية شركتك إطلاقا. أو يقول الطبيب للشركة الصيدلانية: أنا أكتب أدويتكم بناء على فعاليتها، فكافئوني على ذلك بشراء جهاز معين، أو مبلغ مالي معين، فهل يجوز له ذلك، وهل يجوز للشركة أن تكافئه على ذلك؟ هذا علمًا أنّ الأدوية علمية وفعّالة، ومرخصة من الجهات المختصة، ما عليها أي إشكالية من الناحية العلمية، وكذلك من ناحية السعر أيضا سعرها مناسب؟ ولكن هذا كله في التسويق والمنافسة التجارية.  

خلاصة الجواب:

وجواب هذه المسألة كالآتي:

أوّلاً: مهنة الطبّ مهنةٌ شريفةٌ وخطيرة، لكونها تتعامل مع النفس البشرية، حرصًا على حفظها وإحيائها، وإبعاد كلّ ما من شأنه الإضرار بها، أو بالجسد الذي هو وعاءٌ لها، فلذلك هي مهنةٌ مناقضةٌ لمنطق الاتّجار والاسترباح، بل تقوم على قاعدة النّصح ورعاية مصلحة المريض، وإنّما يأخذ الطبيب أجرةً على خبرته التي تعب في تحصيلها لسنين طويلة، وعلى جهده الحقيقي في معرفة الداء، ووصف الدواء، ومعالجة المريض.
ثانيا: دخول الحافز التجاري في مهنة التطبيب مُفسدٌ لمقاصدها وأغراضها، ويفتح بابًا واسعًا لا ينضبط من التسابق نحو تحصيل تلك الحوافز، فيقع الإخلال بأصول المهنة وأخلاقياتها جرّاء ذلك التسابق، وهذه ذريعةُ فساد يجب سدّها، حتى لو افترضنا تخرّج بعض صور التحفيز على وجوه من الفقه.
ثالثا: أخذ الطبيب عوضاً من شركة صيدلانية على اختيار أدويتها للمرضى، لا تنطبق عليه قواعد السمسرة، ولا قواعد الإجارة، فكلاهما شرطه العمل؛ وبيان ذلك:
أنَّ السَّمسرة من قبيل الجعالة عند المالكية، وهي جائزةٌ على خلاف الأصل؛ لجهالة أحد العوضين وهو العمل والمدّة، ودليل جوازها؛ قوله تعالى: (وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72]، ولحديث جواز أخذ الأجرة على الرُّقية[1].
وقد جاء في المدوَّنة في جُعْل السمسار: «أرأيتَ هل يجوز أجر السّمسار في قول مالك؟ قال: نعم؛ سألتُ مالكاً عن البزَّاز[2] يدفع إليه الرجلُ المالَ يشتري له به بَزًّا، ويجعل له في كلّ مائة يشتري له بها بزًّا ثلاثة دنانير؟ فقال: لا بأس بذلك. فقلت: أمِنَ الجُعْل هذا أم من الإجارة؟ قال: هذا من الجُعْل» [المدونة: 3/466].
والجعالة من العقود الجائزة، يدعها العامل متى شاء، ومن شروطها:
1. أن يكون العمل معلومًا مظنونَ الحصول، ولا يشترط أن يكون كثيراً، بل تجوز على العمل اليسير.
2. أن لا يكون الأجل معلوماً.
3. أن تكون الأجرة معلومة، ولا تُستحقُّ إلاّ بتمام العمل، وتجوز الأجرة بجزء من ثمن العمل، أو نسبة مئوية منه.
وجوَّز الحنابلة الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التَّسليم [المغني لابن قدامة: 6/94].
وأمَّا الإجارة فلا بدّ فيها من العلم بالعوضين والمدة، والفرق بينها وبين الجعالة؛ هو:
– أنَّ المدة معلومة في الإجارة مجهولة في الجُعْل.
– الأجرة تلزم بمجرد العقد في الإجارة، وفي الجعل بعد تمام العمل؛ فتكون الإجارة لازمة والجعل جائزا.
ويشتركان في أنَّ كلا منهما عقد على عمل بأجرة.
وأمّا في هذه المسألة التي بين أيدينا؛ فالطبيب لا يبذل في تسويق المنتج أيّ جهد يستحقُّ به العوض، كما أنَّ واجب النصح الطبّي المهني يقتضيه أن يختار للمريض الأنفع ممَّا يعلمه من الأدوية، فلا يستحقُّ عليه عوضاً، بل هو مأجورٌ على عمله من طرف المستشفى، أو المريض، ولا وجه لاستحقاقه عوضًا آخر.
الشيخ لخضر الزاوي
أد. عبد الـحقّ حـميش أد. عبد القادر جدي
أ. مـحــمّــــد ســـكـــحــــال أد. يـــونــــس صــوالـــــحي
أد. عبد القادر داودي أد. مـخـتار حـمحامي
د. مـــــحـــــمّـــد هــــــنــــــــدو  $ أ.سـمــــــــــــير كـــــيـــــجـــاور

([1]) عن أبي سعيد الخدري، قال: كنّا في مسير لنا فنزلنا، فجاءت جارية، فقالت: إنّ سيّد الحيّ سليم، وإنّ نَفَرنا غَيْب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنّا نأبُنُه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبناً، فلمّا رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلاّ بأمّ الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتّى نأتي -أو نسأل- النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا قدمنا المدينة ذكرناه للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا واضربوا لي بسهم» [البخاري: 5007؛ مسلم: 2201].
([2]) (البزُّ بالفتح: نوعٌ من الثّياب، وقيل: الثياب خاصّة من أمتعة البيت، وقيل: أمتعة التاجر من الثياب، ورجلٌ بزّاز، والحِرفة: البِزازة بالكسر) [المصباح المنير: 47-48].