وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأً مُسْلِمًا في موضع تُنتهك فيه حُرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلاّ خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلاّ نصره الله في موطن يحبّ نصرته) [أبو داود. قال الهيثمي: إسناده حسن].
وقال عليه الصلاة والسلام: (موقف ساعة في سبيل الله؛ خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود) [ابن حبان].
وصف الحال:
مجدّداً؛ يتعدّى الصهاينة المحتلّون على إخواننا الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس الشريف؛ بمحاولة إخراجهم من أرضهم وديارهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم مند قرون وقرون. ومجدّداً يقتحم الصهاينة المحتلّون ساحات المسجد الأقصى المبارك، لمنع المسلمين من أداء صلواتهم وشعائرهم، ولتمكين المستوطنين الغاصبين من ممارسة طقوسهم المزعومة. في محاولة لتغيير الخريطة الديمغرافية للقدس، وتغيير المشهد الديني فيها، وبسط السيادة على المقدسات والمرافق الدينية الإسلامية، تمهيدًا لطرد المسلمين منها طردًا كاملاً.
وهي خطة صهيونية أمريكية أوروبية قديمة، تهدف إلى خلق توازنات استراتيجية في المنطقة، وتمكين ما يُسمّى بـــ «إسرائيل» إلى الأبد، ومن ثمّ رسم خارطة جديدة لشرق أوسط منزوع السيادة، يكون موضع ابتزاز دائم، ومهدّد في أغلى مقدّساته: الحرمين الشريفين بمكة والمدينة.
تذكير المسلمين بعقيدتنا في فلسطين:
فلسطين في أبعادها الجغرافية الشاملة لكلّ الأجزاء التي تسلّط عليها الصهاينة بدعم بريطاني وترسيم أممي، وسند من الدول الاستعمارية الكبرى، واعتراف من الدول العربية، وطنٌ لأهلها الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حقّ، وهي جزءٌ من أهمّ الأجزاء وأشرفها للوطن الإسلامي الكبير، بكونها من الأرض المباركة، وباشتمالها على المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الأحرام المختصّة بعِظَم الحرمة والفضل، فإليه أُسري نبيّنا الأكرم صلوات ربّنا وسلامه عليه، ومنه عُرج به إلى السموات العلا.
فليس لأحد حقّ شرعي ولا قانوني أن يتنازل عن شبر واحد منها لغير أهلها، ولا أن يعترف بتوطين شذّاذ الآفاق عليها غصباً وعدواناً.
قال الإمام الشّيخ محمّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-: (إنّ فلسطين وديعة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون) [البصائر، العدد 22، سنة 1948م].
جريمة المطبّعين:
إنّ تطبيع العلاقات بين الدّول الإسلامية وبين الكيّان الصهيوني الغاصب هو الحاضنة التي جرّأت الصهاينة على مزيد من العدوان، ذلكم التطبيع الذي يعني: تسليم أرض فلسطين للصّهاينة شذاذ الأرض، والاعتراف لهم بأحقيتهم عليها وأنّها لهم، وليس للمسلمين فيها حقّ، وتجريم المطالبة بها في مستقبل الأيّام، وأنّ الحركات المناهضة لذلك هي خارجة عن القانون الدولي، إرهابية تحارَب دون هوادة، وليس لها أدنى حقوق التّعامل الإنساني، ومصيرها السّحق.
إنّ التطبيع ليس له من تكييف شرعي غير موالاة أعداء الدّين، التي نهى الله عنها في كتابه الكريم بأقطع النصوص، وأوضح التبيين، فقال عزوجل: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة: 9].
وممّا يستتبعه ذلك؛ أنّ على المسلمين المطبّعين تغيير عقيدتهم، ومناهج التّعليم في مدارسهم لتتفق مع استحقاقات التّطبيع، بإضفاء الشّرعية والاحترام للصهاينة، وقبول قيادتهم السيّاسية والمالية والثقافية في بلاد المسلمين.
ومن تزييف الشرع، والكذب على الله ورسوله، وتحريف الكلم عن مواضعه؛ إنزال الصّهاينة المحتلّين منزلة يهود المدينة الذين عاهدهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أول الهجرة، فهؤلاء كانوا طائفة من أهل المدينة قبل الهجرة النّبويّة، ولم يكونوا محتلّين للأرض، ولم يهجِّروا أهل المدينة من العرب لا قبل الهجرة ولا بعدها، فكانوا بذلك -رغم أقليتهم- محلاّ للتعايش بالعهد والميثاق الذي يحفظ حقوقهم ويلزمهم بواجباتهم تجاه المجتمع المسلم الغالب، ولـمّا أبدوا نقض العهود والمواثيق، وتواطؤوا مع أعداء المسلمين، وأصبحوا بذلك خطرا محدقا على أمن المجتمع المدني وسلامة كينونته؛ أجلاهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من المدينة، وهذا ما تفعله كل دولة ذات سيادة مع من يهدّد أمنها. أمّا حيث كان اليهود مسالمين، لا صهاينة ولا غاصبين، فقد عاشوا في كنف المسلمين وذمتهم في العديد من الأقطار الإسلامية، آمنين مطمئنين.
ومن تزييف الشرع، والكذب على الله ورسوله، وتحريف الكلم عن مواضعه؛ الزعم بأنّ التطبيع شأن الحكّام، وأنّهم المخوّلون بتقدير المصالح والمفاسد في التصرّف بهذا الشأن، بل التطبيع شأن الشعوب المسلمة، وما الحكّام إلاّ منفذّون لإرادة الشعوب، وممثّلون لمقوّمات انتمائها الديني والحضاري، التي تأبى إباء قاطعا إقامة علاقة اعتراف بغاصب لأرض إسلامية مهما كانت، فما بالك بالأرض المقدّسة، وليس بعد هذا الإباء شعرة من الصلة بالمقومات الدينية والحضارية للأمة، فمن حاد عن ذلك من الحكّام فقد عزل نفسه عمّا نُصب له من تمثيل عقيدة الأمة وإرادتها، وقد خلع ما يُستحقّ له من الولاء والطاعة.
إنّ الصهاينة متشبعون بروح العداوة والبغضاء لمخالفيهم في الجنس والدّين، ولا سيّما العرب والمسلمون، قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ) [المائدة: 82]، والتطبيع معهم لن يغيّر شيئاً من هذه الروح العدائية، بل سيفتح الأبواب لممارستها بطرق خفية ناعمة من داخل الدول المسالمة لإحداث الفساد بشتى ألوانه، بعد أن كانت تمارس من الخارج.
ستفتح جريمة التطبيع أمام الصهاينة الأبواب للتغلغل في جميع مفاصل الدول المطبّعة، والاطلاع على أسرارها، والتأثير على قرارها، والتحكّم في مسارها، وسيبدأ التطبيع سياسيا ليتحوّل إلى تطبيع شامل ديني وثقافي ورياضي وفني وغير ذلك، ويكون بذلك الذريعة الأوكد، التي تُقمَع بها المقاومة، وتصنّف في خانة الإرهاب، والخروج عن قرارات المجتمع الدولي، أي بما فيه الدول العربية والإسلامية.
إنّ ما يعد به الصهاينةُ المطبّعين من الأمن والرفاه والازدهار هو محض أوهام، فما دام هذا الاحتلال الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين، فلن ينعم العرب والمسلمون بأمن ولا استقرار ولا ازدهار؛ لأنّ أمن الصهاينة مرهون في نظرهم باستضعاف دائم لمن يخشون منهم الدوائر، وإن مدّوا لهم ألف حبل بالمسالمة والتطبيع.
بعض واجبات المسلمين:
1/ الحفاظ على العقيدة الإسلامية الصحيحة:
عقيدة الولاء والبراء، وعقيدة التمسّك بالحقوق الوجودية المقدّسة، وعقيدة ردّ عدوان المعتدين، وإباء ضيم الظالمين، ومقاومة الأفكار الاستسلامية، والتنظيرات الانهزامية التي تؤصّل للسِّلم على حساب الحقّ والعدل، باسم المصالح، وتحت غطاء المقاصد، البريئة كلّ البراءة من هذا التحريف.
عقيدة الثقة في نصر الله الموعود، الذي هو فوق رؤوسنا؛ ينتظر منّا أن نكون في مستواه، وأن نتأهّل للعطاء الرباني بتحقيق شرطه، وهو الاستقامة على منهج الله وشرعه، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]، وقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
عقيدة الوحدة والمصير المشترك بين مكونات الأمة الإسلامية، والتي كادت الوطنيات والقوميات الضيقة تعصف بها، حتى صار بعض الناس لا يتفاعل إلا مع قضايا وطنه أو عرقه أو طائفته!
ومن الأهمية بمكان تثبيت الوعي بالقضية عند الأطفال والشباب، الذين تمارس عليهم حملات اختراق للوعي مركزة، حتى إنّ البعض منهم تكاد تعصف التفاهة بعقولهم وقلوبهم. ومن المعلوم أنّ كل الانتصارات تبدأ بالوعي الصحيح.
2/ الحكومات العربية والإسلامية:
مدعوّة لأن تسحب اعترافها بهذا الكيان الغاصب، وأن تمهّد لاستئناف حرب التحرير التي بدأت في 1948، والتي قدّمت فيها الجيوش العربية الشهداء تلو الشهداء، ولها من وسائل المقاومة ودعم المقاومة، ما هو كفيل بهذا التحرير.
ولا أقلّ من أن تشخذ عزائم الشعوب، وتتيح لها سبل نصرة القضية، على أقل تقدير بالتعبير عن الغضب في المسيرات، والمظاهرات، وتمكينها من توصيل المساعدات عبر الجمعيات الخيرية، والمؤسسات المدنية.
3/ رفع معنويات المقاومة:
إذا لم نتمكّن من نصرة المقاومين الشرفاء من أهل فلسطين المحتلة الذي يجابهون هذا الاحتلال الصهيوني الغاشم، ويرفعون عن الأمة فرض العين؛ ويدافعون عن حرمة بيت المقدس ومقدّسات الأمة جمعاء، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمّتي على الدّين ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم إلاّ ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك)، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: (ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) [أحمد والطبراني. قال الهيثمي: ورجاله ثقات]؛ إذا لم نتمكّن من نصرتهم بالنفس والمال، فلا أقل من أن ننصرهم بالتأييد المعنوي، وبيان حقية قضيتهم، وفضح جرائم الأعداء، ودعوة كلّ العالم لدعمهم بكلّ سبيل، ما ينفي وحشة التفرد عن المقاومين، ويقوي قلوبهم، ويثبت عزائمهم، ويذكّرهم بأنهم جزء من أمة تعدّهم رأس حربتها وقلبها النابض.
4/ المقاومة الإعلامية والالكترونية:
مواجهة موجة التطبيع والعدوان والأصوات المصطنعة لدعمها في داخل الشعوب العربية بالوسائل الإعلامية والدبلوماسية والالكترونية الصهيونية، مواجهتها بالمثل، من خلال القنوات والمواقع والدبلوماسية المماثلة؛ مسؤولية دينية وتاريخية في رقاب المسلمين شعوبا وحكومات.
فلا تحقرنّ المنشورات التي تكتبها، والصور والفيديوهات التي تلتقطها أو تنشئها وتوزّعها عبر مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي، نصرةً للمسجد الأقصى، وأهل فلسطين المحتلة، فإنّ لها فوائد كثيرة.
5/ المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الشعوب:
لا سيما في الدول الغربية؛ مدعوة للالتفات لما يعانيه الشعب الفلسطيني من حصار وتقتيل وتجويع وإرهاب منظّم، ونستهض ضمائر الأحرار في العالم، أن ينصفوا هذه القضية، ويناصروها بكل ما أوتوا من سبيل.
6/ خسئ المثبطون:
القاعدون المتقعرون بالكلام الفارغ، ومن لا يرون إلاّ العوائق، ولا يحسنون اقتراح الحلول العملية الممكنة، ولا يدركون قانون التدرج في وسائل المقاومة والترقي نحو القوة وأسبابها، ولا ضبط معادلات الكرّ والفرّ حتى يأذن الله لبزوغ فجر التحرير والنصر، فليستتروا بالسُّكات، وليدَّثـِـروا بالصُّمات، خيرا لهم من أن يكونوا في عداد من قال الله فيهم: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 79].
7/ الدعاء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) [البخاري]، فمن الأمور التي لا يعذر مسلم بتركها؛ الدعاء الصادق لإخوانه سرًّا وعلانية، بقلب صادق، ونفس منكسرة، أن ينصر الله إخوانه المجاهدين المقاومين، وأن يمكنهم ويثبتهم، وأن يخفف آلامهم، ويداوي جراحهم، فالدعاء سلاح المؤمن، وليس الدعاء موقفًا سلبيًا، وإنما هو مشاركة قلبية وفكرية لها ما بعدها.