صدرت بتاريخ: الخميس 15 ذو القعدة 1440ه
مجال الاستشارة: الفقه [الزكاة]
جوابًا على السؤال الآتي:
أنا صاحب شركة ذات مسؤولية محدودة، فهل علي زكاة في الأموال الآتية، وكيف؟ أموال مودعة في البنك ولا يحق لنا التصرف فيها ومنها:تزود من أجل دفع مستحقات فتورة تجارية (Provision).كفالة مصرفية (Caution bancaire).مبالغ الفواتير التجارية التي لم تسدّد بعد.من المبالغ الاجمالية بكل الرسوم من أجل تكوين الضمان المالي (Retenue de garantie sur le montant en TTC). مبالغ مالية آتية من فائض الدفعات المسبقة لغرامة أرباح شركة مدفوعة للخزينة ولم تسترجع بعد. (Excédent d’acomptes IBS (Impôt sur Bénéfice de la Société). ملاحظة: هذه الأموال تبقى إما محجوزة لدى البنك، أو الإدارة، أو رهن إرادة الزبون في دفع مستحقاته. كما أنها -أي الفواتير- تلغى لأسباب إدارية أو مالية، أو تراجع لقيم أقل. مع العلم أن هذه الحالات قد تدوم عدة سنوات.
وبعد تداول الرأي والنقاش بين أعضاء الهيئة في المسألة المطروحة؛ خلصت -بإجماع الآراء- إلى الجواب الآتي:
خلاصة الاستشارة:
لا زكاة في شيء ممّا ذكره السائل؛ لأنها إمّا ديون له لم يقبضها، أو ديون عليه قد أخرجها، وكلاهـما ممّا ينتفي فيه شرط وجوب الزكاة، وهو تمام الملك للمال، وكونه قابلا للنماء بحيث لا تفنيه الزكاة، والديون التي لم يقبضها صاحبها، أو التي حلّ أجل الوفاء بها؛ تنتفي عنها هذه العلل. ويشترط على الدائن ألا يقصِّر في استخلاص ديونه واستيفائها متى أمكن ذلك، وإلا وجبت فيها الزكاة من يوم أمكن استخلاصها.
أولا: تــصوير المسألة:
1. الأموال المودعة في البنك ولا يحق لنا التصرف فيها:
تزوّد من أجل دفع مستحقات فتورة تجارية (Provision).
هي -بحسب ما استوضحناه من السائل- مبلغ دفعه مشتري بضاعة للبائع بواسطة البنك، فيقوم البنك باحتجاز المبلغ وعدم توصيله للبائع، إلى غاية التأكد من وثائق وفواتير وتراخيص وغير ذلك من الإجراءات، وقد يأخذ ذلك مدة، ربما تــتجاوز السنة.
فهذا المبلغ دين على مشتري البضاعة -صاحب السؤال- للبائع، دين خرج من حيازته ليصل إلى البائع.
كفالة مصرفية (Caution bancaire).
وهي بحسب ما استوضحناه من السائل- مبلغ يحتجزه البنك من رصيد المتعامل (مكتب دراسات)، لغاية التأكد من إتمام الدراسة وفق المقاييس المطلوبة.
فهذا المبلغ دين للمتعامل (مكتب الدراسات) على الجهة المحــتجزة للمال (البنك): دين لم يقبضه، وليس ناشئا عن معاوضة بين البنك والمتعامل، بل البنك في ذلك طرف ثالث؛ يحتجز المال، لمصلحة إتمام العمل بين الطرفين الآخرين: مكتب الدراسات، والشخص أو المؤسسة التي تطلب الدراسة.
2. مبالغ الفواتير التجارية التي لم تسدّد بعد:
وهي بحسب ما استوضحناه من السائل- المستحقات المالية للدراسات التي قام بها المكتب؛ لصالح الطرف الذي طلبها، ولم يدفع هذا الأخير ثمنها بعد.
فهذه المبالغ هي دين لمكتب الدراسات على طالب الدراسة، دين ليس مقبوضا، وناشئ عن معاوضة بينهما.
وفي حالة إلغائها لأسباب إدارية؛ يسقط اعتبارها أصلا، وكذا إذا روجعت لقيم أقل؛ المعتبر هو القيمة التي يقبضها المكتب.
3. مبالغ مالية تحسم من المبالغ الاجمالية بكل الرسوم من أجل تكوين الضمان المالي
(Retenue de garantie sur le montant en TTC).
وهي بحسب ما استوضحناه من السائل- طريقة أخرى في إعطاء كفالة للزبون المتعامل مع مكتب الدراسات، بحيث لا يدفع نسبة من المبلغ المستحق عليه إلى أن تتم الدراسة التي طلبها بالشكل النهائي.
فهذه النسبة من المبلغ هي دين لمكتب الدراسات على طالب الدراسة، دين ليس مقبوضا، وناشئ عن معاوضة بينهما.
4. مبالغ مالية آتية من فائض الدفعات المسبقة لغرامة أرباح شركة مدفوعة للخزينة ولم تسترجع بعد.
Excédent d’acomptes IBS Impôt sur Bénéfice de la Société.
وهي بحسب ما استوضحناه من السائل- دفعات مسبقة من المال تأخذها مصالح الضرائب عن الأرباح المتوقعة لذلك النشاط، وفي آخر السنة، إذا كانت الأرباح كالمتوقع؛ استحقت مصلحة الضرائب تلك الاقتطاعات، وإذا كانت الأرباح أكثر من المتوقع زاد المتعامل الفرق الذي عليه، أما إذا كانت الأرباح أقل من المتوقع؛ فإن تلك الاقتطاعات لا يتم ردها للتاجر، بل تحتفظ بها مصلحة الضرائب لسنوات قادمة، إلى أن ينتهي نشاط التاجر، عند ذلك يحق له المطالبة بها.
فهذه المبالغ دين للتاجر على مصلحة الضرائب، غير مقبوض، ولا ناشئ عن معاوضة بينهما.
وبالتالي فإن الاستشارة المطروحة تندرج ضمن زكاة الديون، وبيان أحكامها كالآتي:
ثانيا: حكم المسألة :
مذاهب الفقهاء في سقوط الزكاة عن المدين والدائن:
أولا: الزكاة في حق المدين.
أي في المال الذي نقص على النصاب إذا أخرج الدَّيْن، وإذا لم يخرجه زاد على النصاب.
للفقهاء في ذلك ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: لا زكاة على المدين مطلقا.
سواء في ذلك الأموال الظاهرة والباطنة، وسواء كان الدَّين حالاًّ أم مؤجّلا، دينا لله كان أم للعباد، وهو مذهب الحنابلة، وقول للشافعية.
المذهب الثاني: وجوب الزكاة على المدين مطلقا.
ما دام يملك النصاب، فلا يمنع الدين من أداء زكاة المال الذي في يده، سواء في ذلك الأموال الظاهرة والباطنة، وسواء كان الدين حالا أم مؤجلا، دينا لله كان أم للعباد، وهو الصحيح من مذهب الشافعية.
المذهب الثالث: التفصيل.
بين الأموال الظاهرة والباطنة: فالأولى لا يؤثر فيها الدَّين، بخلاف الثانية.
وبين ما له مطالب من العباد: فالدين يمنع الزكاة فيه، وما ليس له مطالب من العباد: فالدين لا يمنع الزكاة فيه.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية، على اختلافات بينهم في بعض التفاصيل.
ثانيا: الزكاة في حق الدائن.
وللفقهاء في ذلك ما يمكن رده إلى ثلاثة مذاهب أيضا:
المذهب الأول: لا زكاة على الدائن مطلقا: وهو مروي عن عطاء وإبراهيم النخعي.
المذهب الثاني: التفريق بين الدَّيْن الحالّ والمؤجّل، وبين المدين الميسور والمعسور، والمقرّ والجاحد:
وهو مذهب الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) على اختلاف بينهم في الحالات والتفاصيل.
المذهب الثالث: التفريق بين ما كان أصله عن عوض، وما لم يكن عن عوض. وهذا مذهب المالكية.
1- فما كان أصله عن غير عوض: فلا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه، ويحول عليه الحول من يوم قبضه.
2- ما كان أصله عن عوض: ينظر إلى هذا الأصل:
3- إن كان ثمن عرض قنية: فلا زكاة فيه، حتى يقبضه ويحول عليه حول من يوم قبضه.
4- وإن كان ثمن عرض تجارة لمدير: فإنه يزكى زكاة عروض التجارة بحسب التفصيل الذي في الباب.
5- وإن كان أصله قرضا أو عرض تجارة لمحتكر: فيزكى بعد قبضه لسنة واحد، وتعتبر السنة من يوم ملك أصله، أو من يوم زكاه إن سبقت زكاته.
وقد اختارت الهيئة الفتوى على مذهب المالكية في المسألة، للأدلة الآتية:
أدلة المسألة:
أولا: أدلة سقوط الزكاة عن المدين.
1- ما رواه مالك في موطئه عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول: ﴿هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤدّ دينه، حتى تحصُل أموالكم فتؤدون منها الزكاة﴾ [الموطأ: 593].
2- من شروط وجوب الزكاة: تمام الملك.
وتمام الملك يكون بحرية التصرف في المال بحسب اختياره، والدَّين يخلّ بذلك، فيسقط وجوب الزكاة.
ثانيا: أدلة سقوط الزكاة عن الدائن.
– أن علة وجوب الزكاة في المال: النماء.
بحيث لا تفنيه الزكاة، لكونه قابلا للنماء، فالزكاة في مقابل النماء، ومال الرجل الذي عند غيره؛ نماؤه لا يستفيد منه هو، بل الذي عنده المال، فلو أوجبنا فيه الزكاة على الدائن أفنيناه.
ما يترتب عليه التفصيل الآتي :
1- الأموال المودعة في البنك ولا يحق للمتعامل التصرف فيها:
تزوّد من أجل دفع مستحقات فتورة تجارية «Provision».
دين على مشتري البضاعة للبائع، وهو مال باطن، له مطالب من العباد، فلا زكاة فيه على المدين.
كفالة مصرفية «Caution bancaire».
دين للمتعامل (مكتب الدراسات) على الجهة المحــتجزة للمال (البنك)، لم يقبضه، وليس ناشئا عن معاوضة بين البنك والمتعامل، فلا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه، ويحول عليه الحول من يوم قبضه.
2. مبالغ الفواتير التجارية التي لم تسدّد بعد.
دين لمكتب الدراسات على طالب الدراسة، ليس مقبوضا، وناشئ عن معاوضة بينهما، وأصله ثمن خدمة قدّمها المكتب، فلا يزكيه حتى يقبضه، عن سنة واحدة، ويحول عليه الحول من يوم قبضه.
3. مبالغ مالية تحسم من المبالغ الاجمالية بكل الرسوم من أجل تكوين الضمان المالي
(Retenue de garantie sur le montant en TTC).
دين لمكتب الدراسات على طالب الدراسة، دين ليس مقبوضا، وناشئ عن معاوضة بينهما، فحكمه كالسابق.
4. مبالغ مالية آتية من فائض الدفعات المسبقة لغرامة أرباح شركة مدفوعة للخزينة ولم تسترجع بعد.
(Excédent d’acomptes IBS (Impôt sur Bénéfice de la Société.
دين للمكتب على مصلحة الضرائب، غير مقبوض، ولا ناشئ عن معاوضة بينهما، فلا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه، ويحول عليه الحول من يوم قبضه.
ويشترط في جميع هذه الديون ألا يقصِّر الدائن في استخلاصها، فإذا قصّر في ذلك وقد أمكن استخلاصها؛ تجب فيها الزكاة من يوم أمكن استخلاصها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
أعضاء الهيئة الموقعون على الفتوى
الشيخ لخضر الزاوي// أ.سمير قجاور// أد.عـبد القادر جدّي// أد. عـبد الحق حميش// د.محمد هندو// د.عبد العزيز بن سايب// أد. يونس صوالحي.