صدرت بتاريخ: الثلاثاء 1 رمضان 1440ه
مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]
جوابًا على السؤال الذي كثر وروده على الهيئة بصيغ مختلفة حاصلها:
ما حكم التسويق الشبكي؟
وبعد تداول الرأي والنقاش بين أعضاء الهيئة في المسألة المطروحة؛ خلصت -بإجماع الآراء- إلى الجواب الآتي:
خلاصة الاستشارة:
ترى هيئة الاستشارات الشرعية بإجماع أعضائها أنّ المعاملة المسمّاة بالتسويق الشبكي -على تعدّد صورها- التي تؤول إلى نفس الفكرة: معاملة محرّمة؛ لما تتضمّنه من أنواع متعدّدة من المنهيات الشرعية في باب المعاملات المالية، نذكر منها: الرّبا، والشرط المفسد، والغرر الفاحش، والقمار، والغش، والتشجيع على الربح السهل والسّريع، وهي بذلك مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية في أبواب المعاملات، المتمثلة في إنتاج الثروة، وتشجيع العمل، ومنع الحكرة وتداول المال بين الأغنياء فقط، كما أنها بعيدة عن قواعد الكسب في الشريعة الإسلامية، وهي: المال، العمل، الضمان. ناهيك بمضرّتها بالاقتصاد حسب الخبراء المتخصّصين.
التفصيل:
أولا: تصوير المسألة:
التسويق الشبكي هو: عملية بيع أو تسويق قديمة نسبياً، بحيث بدأت بوادرها في الظهور خلال الربع الأول من القرن الماضي، لكن مرحلة النشأة الحقيقية تمتدّ بين سنتي: 1945 و1979، ومن يومها فهي في انتشار مستمرّ.
مفهوم التسويق الشبكي باختصار هو: أن تعرض شركةٌ ما مجموعةً من منتجاتها على شخص يرغب في الانضمام إلى شبكتها، وثمن هذه المنتجات يفوق بكثير ثمنها الحقيقي في السوق؛ لأنّ غرض الشخص ليس الشراء بقدر ما هو الانضمام إلى الشركة والعمل ضمن شبكتها والاستفادة من امتيازاتها المستقبلية.
بعد الانضمام؛ إذا أراد شخصٌ أن يحصل على العمولات؛ عليه أن يُــقنع شخصين من أصدقائه أو معارفه أو أقاربه بالانضمام أيضاً، فيجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شِماله، وكلٌّ منهما يقنع شخصين بالشراء والاشتراك وهكذا، ولا يمكن للشخص أن يحصل على العمولات حتى يصل عدد الأشخاص في الشبكة إلى عدد معيّن (بعض الشركات جعلته في بداية القرن الحالي 9 أشخاص في المجموع، أو ثلاث طبقات تحت الشخص المعني)، ثمّ يبدأ بعدها في أخذ العمولات عن كلّ الأشخاص الذين ينضمون إلى الشبكة.
ظهرت العديد من شركات التسويق الشبكي في العالم، وكثيرٌ منها دخل الجزائر، ومارس عمله فيها بطريقة غير قانونية، وقد سعت هذه الشركات إلى تطوير أساليب جديدة في كلّ مرّة للتحايل على القانون أو الشّرع (في البلاد الإسلامية)، ولكنّ المتأمّل في عمل هذه الشركات يجد المضمون أو الجوهر نفسه، إلاّ الأسلوب يتغيّر، مثل كرة القدم التي يلعبها الكلّ بنفس الشكل، لكن خطة اللعب تختلف من مدرّب لآخر.
ثانيا: حكم المسألة:
بالوقوف على حقيقة المعاملة وجدناها تتضمّن جملةً من المنهيات الشرعية في باب المعاملات المالية، وإليك بيانها:
التحايل على الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، حيث إنّ المشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود تُبدَّل بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الرّبا المحرّم بالنص والإجماع، أمّا الـمُـنــتَج الذي تبيعه الشركة على العميل؛ فالحقيقة أنّه غير مقصود، بل هو مجرّد ستار للمبادلة، فلا تأثير له في الحكم. ولو كان غرض الشخص اقتناء المنتجات لوجدها في السوق بأقل من ذلك السعر، وبالتالي تصبح العملية أشبه تماماً ببيع العينة الذي حُرّم لما فيه من التحايل الصريح على أكل الربا.
بيع وشرط فاسد مفسد: فالذي يقع بين الشركة وبين «زيد»؛ أن تبيعه بألفٍ منــتَجًا ثمنه في السوق مائة، على شرطٍ تشرطه له، وهو الإتيان بعدد من العملاء، مقابل حصوله على مساهمة ربحية غير معلومة حين العقد، وإنما تتوقف على عدد العملاء الذين يأتي بهم «زيد»، ثم عدد العملاء الذين يأتي بهم أولئك العملاء، وهكذا. والبيع المشتمل على شرط لا يبطل مطلقاً كما هو معلوم، بل يتبعُ البطلانُ صفةَ الشرط، فإن كان تقييداً يناقض مقصود العقد، أو صرفاً، أو مُدخلاً خللاً في الثمن أفسد العقد، وهو الحال ها هنا، إذ الشرط فاسدٌ في ذاته باشتماله على غرر وجهالة، والغرر ما كان على خطر الوجود والعدم حين العقد، وذلك في الإتيان بالعدد المشروط من العملاء، والجهالة تابعة للغرر في هذه الحالة؛ لأنها مرتبطة بعناصره، فالشرط مفسد للعقد قطعاً.
الغرر والقمار: في التسويق الشبكي؛ لا يدري المشترك هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ وإذا جمع بعض المشتركين لا يدري هل يصل بذلك إلى الطبقات العليا من الهرم؛ فيكون رابحاً، أو يبقى في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟ وهذه هي حقيقة الغرر، والقمار.
أكل أموال الناس بالباطل: في الواقع معظم أعضاء الهرم أو الشبكة خاسرون، إلاّ القلة القليلة في أعلى الهرم، بالنظر لتشبّع السوق بعد فترة، أو استنفاذ المشترك قوائم المشترين من معارفه، أو غير ذلك، بينما يتقاضى أرباب الشركة عمولات دون بذل أيّ جهد مقابل ذلك، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾[النساء: 29].
الغش والتدليس: حيث يظهر أصحاب هذه الشركات أنّ منتجاتهم مطلوبة ومرغوبة ومقصودة فعلا، والحال أنّ الشبكة التسويقية هي المقصودة بالدرجة الأولى، وهم بذلك يغــرون المشتركين بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالباً، وهذا من الغش المحرّم شرعاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿من غشّ فليس منّي﴾ [مسلم: 102].
تشجيع الكسل والربح السريع: عوض العمل في عمل منتج ومستقر، والكثير من الشباب ترك عمله القارّ وانشغل بهذا العمل؛ فلم يجن منه إلا الوهم.
الإضرار بالاقتصاد: بالنظر إلى طبيعة المنتجات التي تباع، والذي يظهر من الدراسات الاقتصادية أنها لا تعتبر ذات جدوى، أو كفاءة، أو فائدة حقيقية في الأسواق التجارية؛ فهي غير خاضعة لقانون العرض والطلب، بل تفرض من الشركة على العملاء، ولا يحصل بذلك أي تنمية اقتصادية، لأجل ذلك يرى الكثير من الباحثين الاقتصاديين أنّ التسويق الشبكي له آثار سلبية على الاقتصاد والأسواق المالية.
مضرة بالبعد الأخلاقي للتعاملات المالية: حيث يرى المتعامل بهذه المعاملة غيره من الناس مجرد سلعة، وعمولات يضعهم عن يمينه وشماله.
ثالثا: الجواب على بعض التكييفات الحاطئة:
التسويق الشبكي ليس سمسرة: السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أمّا التسويق الشبكي فإنّ المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنــتج، فهما يختلفان في الصورة. كما أنّ السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي؛ فإنّ المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإنّ المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق، وهكذا، بخلاف السمسرة التي يُسوّق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة.
التسويق الشبكي ليس جعالة: فإنّ الجعالة قائمة على إنجاز عمل مقصود يحصل به نفعٌ للجاعل، أمّا التسويق الشبكي فلا عمل فيه. كما أن العامل في الجعالة لا يدفع شيئا للجاعل مقابل عمله، إنما يستحق الجعل بعد انتهاء عمله، وأمّا في التسويق الشبكي فالمسوّق يدفع مبلغ شراء منتج الشركة أولا ليعمل، ما يجعله مختلفا عن الجعالة في حقيقته وحكمه.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
الموقعون على الفتوى:
الشيخ لخضر الزاوي// أ.سمير كيجاور// أد.عبد الحق حميش// د.عبد العزيز بن سايب// أد.عبد القادر جدّي// أد.عبد القادر داودي// أ.مـحمّد سكحال// د.مـحمّد هندو// أد. يونس صوالحي.
شارك في هذه الفتوى الخبير الاقتصادي: أد.سليمان ناصر.