صدرت بتاريخ: الجمعة 17 جمادى الأولى 1442ه
مجال الاستشارة: الفقه [الأحوال الشخصية]
جوابا على السؤال الآتي:
وردت إلينا عدّة أسئلة حول تقدّم الزوج بعريضة افتتاح دعوى الطلاق لدى المحكمة، هل هي في نفسها طلاق، أم لا يقع الطلاق حتى يصدر قضاء القاضي؟ وما يتعلّق بذلك من ابتداء العدّة ونهايتها وسائر الأحكام المترتبة على العدة؟ وهل يحلّ للزوج السكن مع زوجته في هذه الفترة، وماذا يحلّ له وماذا يُعدّ رجعةً من قوله أو فعله؟ وما الحكم إذا سحب الزوج العريضة وتراجع عنها؟ فنجيب على كل ذلك في هذه الاستشارة.
خلاصة الاستشارة:
عريضة دعوى الطلاق التي يقدّمها الزوج للمحكمة تعتبر من الناحية الفقهية: طلباً لإثبات وقوع الطلاق، وإنفاذ الحقوق والالتزامات المترتّبة عليه مع توثيقه، وهي بذلك تتضمّن الإقرار بوقوع الطلاق، وحكم القاضي بالطلاق استجابةً لهذه الدعوى؛ هو حكمٌ كاشفٌ للطلاق، لا منشئ له.
وعليه فيقع الطلاق من يوم تسليم العريضة للمحكمة، وتحسب العدّة من حينها، لا من حين صدور الحكم القضائي، وإذا أراد الزوج سحب العريضة بعد تسليمها للمحكمة؛ لم ينفعه السّحب في رفع الطلاق، لأنّ الواقع لا يرتفع، والرجوع عن الإقرار بالواقع شبهة لا تؤثّر إلاّ في باب الحدود، ولأنّ الإسقاطات المحضة لا ترتدّ بالردّ، كما لا يُعتدّ بادّعاء الزوج أنّه قصد التهديد؛ لأنّ التهديد يكون بصيغة مضافة للمستقبل، لا بصيغة ناجزة في الحال.
فإذا أراد مراجعة زوجته، وكان لم يستنفذ ثلاث تطليقات؛ يراجعها بالقول، أو بالجماع أو مقدّماته مع نية الرجعة، ويحرم عليه الجماع ومقدّماته إذا لم يقصد الرجعة، فإن فعل ذلك يكون آثما، وليس عليهما حدٌّ للشبهة، غير أنّها تستبرئ بثلاثة قروء أخرى تحتسب من حين الوطء، فإن أراد مراجعتها بعد الوطء المحرّم، فلا يراجعها إلاّ بالقول؛ لأنّ وطأها حينئذ حرام عليه بسبب الاستبراء، فإن لم يراجعها حتّى خرجت من عدّتها لم يجز لها تجديد النكاح عليها حتى ينقضي الاستبراء.
ويجوز للمطلقة الرجعية أن تتزيّن لزوجها، وتتعرّض له بذلك، ترغيبا له في الرجوع، ويجوز للزوج مساكنتها في بيت متعدّد الغرف، بحيث يمكنها أن تنفصل عنه بباب تغلقه دونه، وبأن يكون معها محرم يمنع الخلوة، ولا يدخل عليها في حجرتها إلاّ باستــئذان، ولا يرفع أحدهما ثيابه أمام الآخر.
أولا: التكييف الفقهي لعريضة افتتاح دعوى الطلاق لدى المحكمة.
مقدّمات:
1.مصدر الحق في الفقه الإسلامي هو الله تعالى:
الحقوق هباتٌ ومنحٌ ربّانيةٌ تفضّل بها الله تعالى على عباده، رعياً لفقرهم وضعفهم وحاجتهم، وتكرُّماً ومنّةً منه سبحانه، فالله تعالى هو الذي يجعل ما يشاء من المصالح حقوقًا، ويأمر عباده باحترامها وإثباتها وحمايتها، ويجعل ما يشاء عريًّا عن الحقّية، مجرّدًا من مشروعية السعي لتحصيله وممارسته، فنظرة الشّرع لما هو حقٌّ، وما ليس بحقّ هي أساس الاعتبار في التشريع الإسلامي.
وهذا أمرٌ لا اختلاف فيه بين الفقهاء: أنّ مشروعية التصرُّفات، وإسناد الحقّ فيها لطرف ما، وإثبات الآثار والالتزامات المترتّبة عليها؛ لا يصدر إلاّ من جهة الشّرع، لا من جهة التواضع البشري، وقولنا: (من جهة الشّرع) يشمل النصوص والقواعد والمقاصد الشّرعية، والاجتهاد على ضوء ذلك فيما سُكت عنه من الأحكام وفق المنهجية العلمية، ولا مانع من أن يتحوّل المجتهَد فيه إلى قانون، فيكون مستمدًّا من الشريعة الإسلامية، كما هو الغالب من قانون الأسرة الجزائري، إنما المانع أن يتواضع الناس على قانون، يجعلونه مصدر الحقوق والالتزامات، بغض النظر عن كونه موافقًا للشريعة أو مخالفًا لها.
وذلك أنّ مصدرية التشريع قضيةٌ مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بالعقيدة الإسلامية، فإنّ سلطة التشريع إنّما هي لله تعالى، لقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ ﴾[يوسف: 40]، وقوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]،وقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 50].
وهذا خلافًا للتشريع الوضعي -لا سيما الغربي-؛ فإنّ مصدر الحقّ فيه هو المجتمع، وما تواضع عليه الناس، محميًا بوسائل القوة البشرية، وعلى هذا الأساس نجد من الأمور ما هو حقٌّ في التشريع الإسلامي، وليس حقًّا في التشريع الوضعي، كحقّ الفقير في الزكاة قبل قبضها، وحقّ الورثة في مال مورّثهم ألاّ يوصي بأكثر من ثلثه، والحقّ في القصاص، وحقّ الرجل في تعديد الزوجات، ومن الأمور ما تعدّه الشرائع الوضعية حقّا وليس في التشريع الإسلامي كذلك، كالحقّ في الفوائد الربوية، والحقّ في شرب الخمر، والحق في الزنا … إلخ.
وغنيٌّ عن التذكير أنّ التشريع يقتضي من صفة العلم المطلق، والعدل المطلق، والحكمة المطلقة؛ ما يختص بربّ العالمين، ولو أسند ذلك إلى البشر مع قصورهم، وتحيّزهم، وتباين مناهجهم، وتغلّب قويّهم على ضعيفهم، لوقع الظلم واختلال النظام.
على هذا الأساس؛ عرّف الفقهاء الحقّ بأنّه (ما ثبت بإقرار الشّارع وأضفى عليه حمايته) [الملكية لعلي الخفيف]، وبأنّه: (اختصاصٌ يقرّر به الشّرع سلطة أو تكليفا) [المدخل إلى نظرية الالتزام العامة للزرقا].
2. الطلاق حق أسنده الشرع للزوج، يتم بإرادة منفردة، ولا يفتقر إلى دعوى قضائية لإنشائه([1]):
إذا تمهّد أنّ الشّرع الإسلامي الحنيف هو مصدر الحقوق والالتزامات؛ فقد أسند الشّرعُ حقّ الطلاق للزوج، وجعله منوطًا بإرادته المنفردة، لا يفتقر إنشاؤُه إلى قَبول المرأة، ولا إلى عِلْمها، ولا إلى حضورها، ولا يفتقر إنشاؤه إلى شهادة شهود، ولا قضاء قاض، كما لا يُشترط تسويغه بالأسباب والحجج الظاهرة؛ لأنّ الطلاق إسقاط، والإسقاط تنازلٌ من الإنسان عن خالص حقّه، دون أن يمسّ ذلك حقًّا لغيره، كما أنّ أسباب الطلاق أكثرها يكون خفيًّا لتعلّقها بالجانب النفسي الذي لا مطمع للقضاء في استظهاره وإقامة ميزان العدل فيه، والعدل إنّما يُنصب في ظواهر الأمور، وغاية نظر القضاء في إمكان تعسّف الزوج في استعمال هذا الحقّ، في حدود ما يعدّه الشرع تعسّفًا وما لا يعدّه تعسّفًا، ولا يخرج أيضًا عمّا يمكن استظهاره من الأحوال والأعمال.
والشرع أسند حق الطلاق لإرادة الزوج المنفردة؛ لأنّه الطّرف المتحمِّل لأعباء استمرار هذا العقد ماديًّا ومعنويًّا، ماديًّا بالعمل والنفقة بمختلف أشكالها، ومعنويًّا بكون الزوجة عِرْضًا للرجل، وجزءًا أساسيًا من سُمعته، كما أنه المتحمّل الأكبر لأعباء انحلال هذا العقد، فهو الأحرص على بقائه وعدم إهدار تلك الأعباء إلاّ لمسوِّغ يترجّح عنده([2]). قال الشيخ الطاهر بن عاشور: (وجُعل أمر الطلاق بيد الرجل من الزوجين؛ لأنه في غالب الأحوال أحرص على استبقاء زوجه، وأعلق بها، وأنفذ نظراً في مصلحة العائلة) [مقاصد الشريعة الإسلامية].
والدليل على إسناد الطلاق للرجل بإرادته المنفردة القرآن والسنة والإجماع:
أمّا القرآن: فآيات الطلاق كلّها تسنده إلى الرجال دون اشتراط موافقة إرادة أخرى، من زوجة، أو وليّها، أو قاض، ودون اشتراط الإشهاد، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ ﴾[الطلاق:1]، وقال: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ ﴾[البقرة: 231]، وقال: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ ﴾ [البقرة: 236]، وغير ذلك من الآيات.
وأمّا السنة: فطلاق النبي صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه، كابنة الجون، وفاطمة بنت الضحاك، وأميمة بنت شراحيل، طلقهنّ قبل الدخول، وحفصة بنت عمر، طلّقها وراجعها، وإقراره لما وقع من الطلاق في عهده على الصفة المذكورة، ومن ذلك طلاق عبد الله بن عمر لامرأته، وطلاق امرأة رفاعة القرظي، وطلاق فاطمة بنت قيس، وطلاق أسماء بنت يزيد بن السكن، وطلاق خالة جابر بن عبد الله، وطلاق ركانة بن عبد يزيد، وطلاق زينب بنت جحش من زيد بن حارثة، وغيره كثير.
([1]) إنشاء الطلاق أي إيقاعه، أمّا إثباته بما يجعل الالتزامات (الحقوق والواجبات) الناشئة عنه نافذة محترمة؛ فذلك ما يفتقر إلى توثيق، وحكم قاض، نبيّنه بعد حين.
([2]) مع ذلك نظر الشرع إلى جانب الزوجة، فمنحها الحق أيضا في إثبات تضرّرها بالزواج إنْ وجد، وفي طلب الطلاق لذلك، غير أنه يفتقر إلى دعوى، وحكم قاض، ولا يخضع لإرادتها المنفردة. فيكون القاضي حينئذ منشئا للطلاق، ويجبر الزوج عليه، ويكون الطلاق حالئذ بائنا، إذْ كلّ طلاق يوقعه القاضي فهو بائن إلا في المولي والمعسر بالنفقة.
وروى ابن ماجه، والبيهقي، والدارقطني، والطبراني، عن ابن عباس، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنّ سيّدي زوّجني أَمَته، وهو يريد أن يفرّق بيني وبينها، قال: فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فقال: ﴿يا أيّها النّاس، ما بال أحدكم يزوّج عبده أمته، ثم يريد أن يفرّق بينهما؟ إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق﴾.
وأمّا الإجماع: فقد جرى العمل والفتوى والقضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أنّ الطلاق واقعٌ ومعتبرٌ بالإرادة المنفردة للزوج، دون حاجة لقضاء قاض، بلا خلاف من أحد من العلماء، في أي عصر من العصور.
وإذا كان كذلك؛ فالدعوى المقامة في العريضة المسمّاة (عريضة افتتاح دعوى الطلاق)؛ لا يتّجه أن يكون موضوعها إيقاع الطلاق، وذلك أنّ الدعوى لا تُقام لإنشاء الحقوق، ولكن لإثباتها واستيفائها، على أن يكون ذلك الاستيفاء مفتقِراً إلى الدعوى، وقد قسّم الفقهاء الحقوق من حيث طرق استيفائها إلى:
ما يُستوفى بالاختيار: إمّا لكون استيفائه يكون بإرادة منفردة لا يقابلها منازع، أو لكون المستوفى منه سلك مسلك الوفاء بالحق لمستحقه دون منازعة.
ما يستوفى بالإجبار: لكونه ابتداء مفتقرًا لإرادة أخرى غير إرادة صاحب الحق، ولامتناع المستوفى منه من الوفاء باختياره.
أو لكون استيفاء الحقوق من كل فرد بما اتّفق له من السبل، مشيعًا للفوضى، مخلاّ بالنظام العام، فهذه لا تستوفى إلاّ بطريق القضاء، وإقامة الدعوى. [انظر: نظرية الدعوى، لمحمد نعيم ياسين].
على هذا الأساس؛ لم يفتقر إنشاء الزوج الطلاق إلى الدّعوى، ولكن إثبات الطلاق والإلزام بآثاره هو الذي يفتقر إلى ذلك، كما يأتي بيانه بعد حين.
3. موقف القانون من حقية الزوج في الطلاق بإرادته المنفردة:
تعترف معظم القوانين في البلدان العربية بامتلاك الزوج حق إنشاء الطلاق بإرادته المنفردة، دون حاجة إلى القضاء، ومن ذلك قانون الأسرة الجزائري([1])، وذلك في المادة (48) والتي جاء فيها: (الطلاق حلّ عقد الزواج، ويتم بإرادة الزوج، أو بتراضي الزوجين، أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53، 54) [قانون 84-11].
وقد صدرت عدّة قرارات من المجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا تؤكّد ذلك، نذكر منها([2]):
قرار المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية، ملف رقم: 35322، بتاريخ: 17/12/1984، منشور بالمجلة القضائية، العدد 4-1989، ص91، جاء فيه: (من المقرّر شرعًا، وعلى ما جرى به قضاة المجلس الأعلى: أنّ تلفّظ الزّوج بالطّلاق يلزمه، ومن المقرّر أيضًا أنّ الرجعة لا تُعتبَر شرعًا إلاّ أثناء قيام العدّة، ومن ثمّ فإنّ القضاء بخلاف ذلك يُعدّ خرقًا لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية).
([1]) القانون رقم 84-11 المؤرخ في 9 رمضان 1409ه الموافق 9جوان 1984م، المنشور في الجريدة الرسمية العدد 24 سنة 1984م، المعدّل والمتمّم بموجب الأمر رقم 05-02 المؤرخ في 18 محرم 1426ه الموافق 27 فيفري 2005م، والمنشور في الجريدة الرسمية العدد 15 سنة 2005م. انظر موقع الجريدة الرسمية: (www.joradp.dz).
([2]) انظر الأعداد المشار إليها في موقع المحكمة العليا: (www.coursupreme.dz).
قرار المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية، ملف رقم: 35346، بتاريخ: 31/12/1984، منشور بالمجلة القضائية، العدد 2-1990، ص86، جاء فيه: (من المقرر شرعا أنّ للزوج حق الطلاق من جانبه وحده، عملا بالقاعدة الشرعية “العصمة بيد الزوج”، ومن ثم فإنّ القضاء بإبقاء روابط الزوجية قائمة بين الزوجين، حتى بعد إبداء الزوج لإرادته في الطلاق؛ يعد خرقا صريحا لهذه القاعدة الشرعية).
قرار المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية، ملف رقم: 39463، بتاريخ: 10/02/1986، منشور بالمجلة القضائية، العدد 1-1989، ص115، جاء فيه: (من المتفق عليه فقهًا وقضاءً في أحكام الشريعة الإسلامية أنّ الطلاق الذي يقع من الزوج هو الطلاق الرجعي، وأنّ الحكم القاضي به لا يغير من رجعيته …).
قرار المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية، ملف رقم: 216850، بتاريخ: 16/02/1999، منشور بالمجلة القضائية، العدد الخاص بالاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية، 2001، ص100، جاء فيه: (من المقرّر شرعًا أنّه يثبت الطلاق العرفي بشهادة الشهود أمام القضاء، ومتى تبيّن -في قضية الحال- أنّ الطلاق وقع بين الطرفين أمام جماعة من المسلمين، وأنّ المجلس أجرى تحقيقا وسمع الشهود الذين أكّدوا بأنّ الزوج طلّق فعلا المطعون ضدّها أمام جماعة من المسلمين، وبالتالي فلا يحقّ له أن يتراجع عن هذا الطلاق، وعليه فإنّ القضاة بقضائهم بإثبات الطلاق العرفي طبّقوا صحيح القانون).
وإذا كان كذلك فإنّ صيغة المادة: (48) في تعديل 2005، وصيغة المادة (49)؛ مشكلتان، وهما قوله:
المادة (48): (مع مراعاة أحكام المادة 49 أدناه، يُحلّ عقد الزواج بالطلاق الذي يتمّ بإرادة الزوج، أو بتراضي الزوجين، أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53، و54 من هذا القانون).
المادة (49): (لا يثبت الطّلاق إلاّ بحكم، بعد عدّة محاولات صلح يجريها القاضي، دون أن تتجاوز مدّته ثلاثة أشهر ابتداءً من تاريخ رفع الدعوى).
فهما يحتملان تفسيرين:
الأول: وهو الظاهر من إجراء التعديل، وإضافة عبارة “مع مراعاة أحكام المادة 49 أدناه”، ويقتضي عدم الاعتراف بوقوع الطلاق إلاّ في ساحة القضاء، وأنّ كلّ طلاق يوقعه الزوج خارج ذلك لا يُعتبر به، ولا يترتّب عليه أيّ أثر.
وهذا -إن ثبت-، يخالف ما قرّرناه أعلاه من حكم الشّريعة في المسألة، كما يُعدّ نكوصًا عن تفسير المحكمة العليا، والمجلس الأعلى للقضاء، المثبت في القرارات المذكورة، والجاري عليه عمل كثير من المحاكم إلى يوم النّاس هذا، والقاضي بإثبات الطلاق بأثر رجعي لزمن إيقاعه من طرف الزوج بما يثبت ذلك من شهادة أو إقرار أو غيرهما ([1]).
([1]) انظر مثلا: القرار رقم: 19/99، الصادر بتاريخ: 30/01/1999، عن محكمة الجلفة.
وفي هذه الحالة؛ ينشأ شرخٌ فادحٌ بين الحكم الشّرعي، والحكم القانوني، يتسبّب في ازدواجية العدّة (عدة شرعية، وعدة قانونية)، ويلحق ذلك اضطرابٌ واختلالٌ في أحكام واسعة متعلّقة بحلّ المطلّقة للزواج من جديد، وإثبات النّسب، واستحقاق الميراث، وغيرها من الأحكام.
فنقترح تعديل المادة (49) وفق الصياغة الآتي ذكرها، مع إضافة مادّة أخرى توجب توثيق الطلاق من فور إيقاعه من طرف الزوج، وفق صيغة من صيغ التوثيق المعتبرة، كما سنبيّنه في العنصر اللاّحق.
الثاني: أنّ المقصود بقوله: (لا يثبت)، لا تترتّب آثارُه من الناحية القضائية، لا أنّه لا ينشأ، والفرق بين الإنشاء والإثبات معلوم([1])، وعلى هذا يكون المقصود بمدة الثلاثة أشهر التي يحاول فيها القاضي إجراء الصّلح بين الزوجين: فترة العدّة المقدّرة شرعًا بثلاثة قروء في حال المطلّقة الحائل (غير الحامل)، وهي قرابة ثلاثة شهور، وعلى هذا تكون المادة (50) وهي قوله: (من راجع زوجته أثناء محاولة الصّلح لا يحتاج إلى عقد جديد، ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد)؛ متّسقة مع المنظومة الفقهية أنّ الرجعة في قوله: (من راجع) تدلّ على نشوء الطلاق، إذ لا رجعة إلاّ من طلاق، وأنّ فترة الصلح هي فترة العدّة التي تراجع فيها المطلّقة طلاقًا رجعيًا بلا عقد، وأنّ صدور الحكم بما أنّه يستغرق فترة العدّة ويجاوزها؛ بحيث يؤول الطلاق إلى البينونة الصغرى، يقتضي احتياج المراجعة إلى عقد جديد.
ومع ذلك فإنّ صياغة هاتين المادتين غير دقيقة، ويكتنفها الغموض، وينقصها التفريق صراحة بين وقوع الطلاق وثبوته، والتنصيص على العدة الشرعية باللفظ لا بالمفهوم، فنقترح إعادة صياغتهما على النحو الآتي:
المادة (49): (لا تثبت آثار الطّلاق بعد وقوعه وتوثيقه، إلاّ بحكم، بعد عدّة محاولات صلح يجريها القاضي، دون أن تتجاوز مدّة العدّة الشرعية، ابتداءً من تاريخ وقوع الطلاق).
المادة (50): (من راجع زوجته أثناء فترة العدّة الشّرعية لا يحتاج إلى عقد جديد، ومن راجعها بعد فترة العدّة الشرعية يحتاج إلى عقد جديد، مع مراعاة أحكام المادة 51)، وهي المادة التي تتحدّث عن البينونة الكبرى.
المادة المقترحة لتوثيق الطلاق يأتي ذكرها في العنصر الآتي.
4. وجوب توثيق الطلاق شرعًا وقانوناً:
توثيق الطلاق وإن لم يكن شرطاً في وقوعه، فإنّ الهيئة ترى وجوبه شرعًا في العصر الحاضر، كلزومه في القانون، ولو اتخذ القاضي إجراءً عقابيًا في حقّ من لم يعجّل بتوثيق الطلاق لكان سائغًا، ونظير الطلاق في التوثيق: الزواج، ووجه الوجوب هو حفظ الحقوق والالتزامات المترتّبة على هذا الطلاق، وهي كثيرة، مثل: حقّ المرأة في السكنى والنفقة والميراث أثناء العدة الرجعية، وحقها في الزواج بعد العدة، وإثبات نسب الأولاد، وحقّهم في الحضانة والنفقة، ولا شكّ أنّ عدم التوثيق ذريعة لإضاعة هذه الحقوق التي تندرج ضمن الضرورات، والحاجات، وحفظ الضرورات والحاجات لا ينزل عن رتبة الوجوب، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، لا سيّما في زمان فساد الذّمم، وقلة الديانة، وتعرّض هذه الحقوق للجحد، والتضييع، كما هو واقع في هذا الزمن بكثرة.
([1]) إنشاء الحقّ قولُ أو فعلُ ما يجعله مستحقًّا، وإثباته إقامة الحجة على ذلك أمام القضاء ودفع ما يضادّها.
ومع أنّ الشرع ائتمن الزوج على الطلاق، والوفاء بالتزاماته، لكن من المقرّرات الشرعية عدم الاكتفاء بالوازع الدّياني في إنفاذ الأحكام، إذا تحقّق ضعف ذلك الوازع، وعمّ وغلب، فمهما أسند الشرع أمانة الإنفاذ إلى مؤتمن عليه، فإنّها تُسلب عند عموم ضعف الوازع، وتوكل إلى الوزاع السلطاني.[ انظر في مراتب الوازع: مقاصد الشريعة الإسلامية، للشيخ الطاهر بن عاشور].
على هذا الأساس؛ نقترح إضافة مادة توجب توثيق الطلاق، يحسن ورودها بعد المادة (48)، وقبل المادة (49)، بتعديل الترقيم، على النحو الآتي: (لا يُعدّ الطلاق واقعًا في ساحة القضاء إلاّ بتوثيقه، بإقرار، أو شهادة، أو يمين، بمراعاة الأحكام الشرعية والقانون المدني في وسائل إثبات الالتزام، وذلك ابتداءً من تاريخ الوقوع المصرّح به)([1]).
وبهذه المواد الثلاثة على النحو المقترح؛ نكون قد جمعنا بين ثلاثة أمور:
*وقوع الطلاق العرفي خارج ساحة القضاء ديانة.
*وقوع الطلاق العرفي في ساحة القضاء بتوثيقه.
*ثبوت آثار الطلاق قضاءً بصدور الحكم.
5. عريضة الطلاق هل هي مجرد كتابة للطلاق، أم هي طلبٌ لإثباته في المحكمة؟
كتابة الطلاق برسم ألفاظه على الورق ونحوه، فيكتب: طلّقتُ زوجتي، أو زوجتي طالق، ونحو ذلك، إمّا مع النية والعزم على إيقاعه، أو بغير نية إيقاعه، بل لغرض آخر، وفي الحالين إمّا أن يكون الكتاب خطابًا، أي موجَّهًا لمخاطب، بقوله: من فلان إلى فلانة، أو لا يكون خطابًا، وفي الحالين إمّا أن يخرج من يده فيرسله، أو لا يخرج من يده ولا يرسله، وإذا أرسله إمّا أن يصل أو لا يصل.
تحت هذا المفهوم للكتابة بحث فقهاؤنا أحكام كتابة الطلاق وإرساله، ولسادتنا المالكية تفصيٌل حسن، لـخّصه الصّاوي في حاشيته على الشرح الصغير للدردير([2]).
ومع أنّ معظم الصور المذكورة يقع بها الطلاق، ومنها صورة العريضة على فرض تكييفها بالرّسالة التي خرجت من يد المطلّق، غير أنّ عريضة الطلاق تختلف حقيقتُها عن مجرّد كتابة الطّلاق وإرساله، بكونها خطابًا رفعه الزّوج إلى القضاء، ورفعُ كتاب الطلاق إلى القاضي يجعله من باب الدّعوى، لا من باب الرّسالة، فتكون الكتابة ههنا وسيلة لطلب الإثبات، ليس فقط وسيلة إنشاء.
([1]) والإلزام بتويثق الطلاق هو ما انتهجه المشرّع المصري: (القانون رقم 100-1985، المادة 5 مكرر)، والمشرّع المغربي: (القانون 03-70، المادة 79).
([2]) قال الصاوي: (فحاصله أنّ الصُّوَر فيها ثمانية عشر، لأنّه إمّا أن يكتبه عازمًا أو مستشيرًا أو لا نيّة له، وفي كلّ إمّا أن يخرجه عازمًا أو مستشيرًا أو لا نيّة له، فهذه ثلاثة تضرب في مثلها بتسع، وفي كلّ إمّا أن يصل أم لا، هذه ثمانية عشر، فإذا كتبه عازمًا -الذي هو معنى قول الشارح: مجمِعًا- حنث بصورة الستّ، وهي إمّا أن يخرجه عازمًا أو مستشيرًا أو لا نيّة له، وفي كلّ إمّا أن يصل أم لا، وأمّا لو كتبه مستشيرًا أو لا نيّة له؛ أخرجه عازمًا أو مستشيرًا أو لا نيّة له؛ فهذه ستٌّ يحنث فيها إن وصل اتّفاقًا، وكذا إن لم يصل على المعتمد، إلاّ في صورة: وهي ما إذا كتبه مستشيرًا وأخرجه كذلك).
وإذا كان كذلك؛ فدعوى إثبات الطلاق متضمّنةٌ حتمًا إقرار الزوج بواقعة الطلاق ولو لم يتلفظ به، لأنّ الإثبات محلُّه الواقعة، ولا إثبات إلاّ لواقعة، يؤكّد ذلك نصّ العريضة الواضح، بعد أن يذكر المدّعي (الزوج) المسوّغات والتظلّمات التي تفيد تقصير المدّعى عليها (الزوجة) في واجباتها الزوجية، أو يذكر أنّه طلاق بالتراضي بينهما، يقول:
لهذه الأسباب ومن أجلها؛ يلتمس العارض من هيئـة المحكمـة الموقّرة ما يلي:
في الشكــل: قــبول الدعــوى شكـــلا لاحتــرام الإجـراءات الشكليـة الجوهريــــــة.
في الموضوع: الحكم بفكّ الرابطة الزوجية بين كــلّ من السيد … والسيدة … مع أمر ضابط الحالة المدنية للتأشير عليه في شهـادة ميلادهما.
…. (مطالب أخرى)
وعلى هذا الأساس لا يُرتاب في وقوع طلاق الزوج بدليل إقراره، ومطالبته المحكمة بتوثيقه وإثباته.
ومستند الوقوع: أنّ الإقرار حجّةٌ قاطعةٌ على المقرّ، والإقرار بالكتابة كالتصريح باللّفظ؛ إذ القلم أحد اللّسانين، والكتابة المستبينة كاللفظ الصّريح عند عامّة الفقهاء، بل العريضة أوثق في الدلالة على الطلاق ممّا لو تلفّظ به، إذ اللفظ يحتمل التسرّع والغضب والخطأ في النطق والهزل، ممّا لا تحتمله العريضة التي سلك في رفعها مسالك التوثّق والتثبّت ممّا يكتب وينوي.
الخلاصة: التكييف الفقهي لعريضة الطلاق:
هي دعوى لإثبات وقوع الطلاق، وإنفاذ الحقوق والالتزامات المترتّبة على الطلاق، مع توثيقه، وتتضمّن الإقرار بما يُعدّ إنشاءً صريحًا وموكّدا للطلاق، وليست العريضة طلب إنشاء للطلاق، لأنّ إنشاء الحقّ لا يفتقر إلى الدعوى، لا سيما الحق الذي ينشأ بإرادة منفردة. وعليه فحكم القاضي بالطلاق استجابةً لهذه الدعوى؛ هو حكمٌ كاشفٌ للطلاق، لا منشئ له.
ثانيا: حكم سحب عريضة الطلاق:
إذا عدل الزوج عن تسليم العريضة بعد تحريرها، لم يلزمه شيء ما لم يكن عازماً على الطلاق حين تحريرها، فإن عزم لزمه الطلاق من حين التحرير، وإذا سلّم العريضة للمحكمة كان التسليم قرينة قاطعة على إيقاعه الطلاق، فلا يسأل عن نيته، وإذا أراد سحب العريضة بعد تسليمها للمحكمة؛ لم ينفعه السحب في رفع الطلاق الذي لزمه بمجرّد التسليم. وإذ ذاك فإنّ العدّة تُحتسب على امرأته من ذلك اليوم، فينبغي أن يُعلمها لتتعامل معه على أنّها معتدّة. ثم إن كان ذلك الطلاق متمّما للثلاث فلا سبيل له لمراجعتها قبل انقضاء العدة، وإلاّ بأن كانت الأولى أو الثانية، فله المراجعة.
والدليل على أنّ سحب عريضة الطلاق لا ينفع في رفع وقوعه؛ قاعدتان:
الأولى: أنّ الرجوع عن الإقرار شبهةٌ لا تؤثّر إلاّ في باب الحدود.
وهذا وإن كان في الإقرار بثبوت الحقّ للغير، فهو في هذه المسألة أبلغ، لأنّ محلّ الإقرار في العريضة هو الواقعة: أي الطلاق، والواقع لا يرتفع.
الثانية: أنّ الإسقاطات المحضة لا ترتدّ بالردّ، ومن قواعد الفقه في ذلك قولهم: (السّاقط لا يعود).
والطلاق الرجعي إسقاطٌ لإحدى المرات التي يمتلكها الزوج لإسقاط حقّ العصمة الزوجية، ومنفعة البضع، والرجعة ليست ردّاً لما سقط بالطلاق قبلها، ولكنها استدامة للنكاح على ما بقي له من عدد الطلاق، في مدة الخيار التي تسمّى العدة.
ثالثا: حكم ادعاء الزوج أنه قصد التهديد :
البحث في التهديد بالطّلاق محلّه الصّيغة المفيدة لإضافته إلى المستقبل، أمّا الطلاق الناجز، بالصيغة الصريحة، أو الكناية الظاهرة؛ فيقع دون نظر إلى نية.
وقد تقرّر أنّ المكتوب في عريضة الطلاق؛ يتضمّن الإقرار بوقوع الطلاق وتنجيزه، فلا يفيد ادّعاء نية بخلاف ذلك.
رابعا: ما يحرم على الزوج من زوجته المطلقة أثناء العدة:
قال الشّيخ خليل -رحمه الله-: (والرّجعية كالزّوجة إلاّ في تحريم الاستمتاع، والدخول عليها، والأكل معها).
قال الخرشي: (والمعنى أنّ الرجعية [أي: المطلّقة طلاقًا رجعيًّا، وهي في العدّة] حكمها حكم الزوجة في وجوب النفقة، والكسوة، والموارثة بينهما، وغير ذلك، إلاّ في تحريم الاستمتاع بها قبل المراجعة، بنظرة، أو غيرها من رؤية شعر، واختلاء بها؛ لأنّ الطلاق مضادٌّ للنكاح الذي هو سببٌ للإباحة، ولا بقاء للضدّ مع وجود ضدّه، ولا يكلّمها، ولا يدخل عليها ولو كان معها من يحفظها، ولا يأكل معها ولو كانت نيّته رجعتها حتّى يراجعها).
ولا يخلو من تشديد لما هو معلومٌ أنّ العدّة شُرعت لمراجعة الرأي في الطلاق، وقطعُ كلّ صلة بين الزوجين أثناء العدّة حتى تكون المطلّقة الرجعية أشدّ حُرمةً من الأجنبية لا يناسب هذا المقصد، لقوله تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق: 1].
وللسادة الحنفية والحنابلة اجتهادٌ هو أوفق لمقصود الشّرع، حيث استحبّوا للمطلّقة الرجعية أن تتزيّن لزوجها، وتتعرّض له بذلك، ترغيبا له في الرجوع.
ولا يتأتّى ذلك إلاّ بإباحة النظر والتكلّم والمساكنة، أي: في بيت متعدّد الغرف، بحيث يمكنها أن تنفصل عنه بباب تغلقه دونه، وبأن يكون معها محرم يمنع الخلوة، ولا يدخل عليها في حجرتها إلاّ باستــئذان، ولا يرفع أحدهما ثيابه أمام الآخر، ويحرم عليه الجماع ومقدّماته، حتى يراجعها.
خامسا: ما تكون به الرجعة.
تحصل الرجعة بــــــ:
*اللفظ الصريح، كقوله: (أرجعتك)، (راجعتك)، (راجعتها)، أو الكناية مع النية كقوله: (أمسكتك)، (أمسكتها).
*الفعل الذي لا يحلّ إلاّ مع الزوجة من الوطء ومقدّماته، إذا اقترن بالنية، ولو بدون قول.
أمّا إن جامع الزوج المطلّقة الرجعية في عدّتها، أو وقع في مقدّماته؛ دون قصد الرجعة، فيكون آثما، وليس عليهما حدٌّ للشبهة، غير أنّها تستبرئ بثلاثة قروء أخرى تحتسب من حين الوطء، فإن أراد مراجعتها بعد الوطء المحرّم، فلا يراجعها إلاّ بالقول؛ لأنّ وطأها حينئذ حرام عليه بسبب الاستبراء، فإن لم يراجعها حتّى خرجت من عدّتها لم يجز لها تجديد النكاح عليها حتى ينقضي الاستبراء.
ويستحبّ الإشهاد على الرجعة، لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾[الطلاق: 2]، والإشهاد أحفظ للحقوق، فإنّها لو انقضت عدّتها، فادّعى أنّه راجعها قبل ذلك؛ لم يُقبل منه إلاّ ببيّنة، أو قرينة تقوم مقامها.
والله تعالى أعلى وأعلم
أعضاء الهيئة الموقعون على الاستشارة.
الشيخ لخضر الزاوي
أد. عبد الحق حميش // أ. محمد سكحال // أد. عبد القادر جدي // أد. عبد القادر داودي // أ. سمير كيجاور // د. محمد هندو // أد. مختار حمحامي // أد. يونس صوالحي // أد. ماحي قندوز.