صدرت بتاريخ: الجمعة 16 محرم 1442ه
مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]
جوابًا على السؤال الآتي:
فلاح له أرض، ويحتاج إلى دعم مالي، ذهب إلى البنك فاقترحوا عليه قرضا يسمّى: «الرفيق»، يتم من خلاله تقديم مساعدة تتمثل في سلعة (وليس سيولة نقدية)، عن طريق مموِّل متعاقد مع البنك، لكن المموّل أخبره أنه يمكن أن يعطيه مالا عوض السلعة، على أن يأخذ فائدة، فإذا كان ثمن السلعة 700 مليون، يعطيه 650 مليون نقدا، ويأخذ الباقي، وكأنه يشتري السلعة منه دون أن يقبضها الفلاح، مع العلم أنّ هذا الفلاح لو أخذ السلعة وباعها لآخر لأعطاه أقل مما يعطيه الممول، لأن الممول يبيع للبنك بسعر أعلى من سعر السوق، فهل هذه المعاملة جائزة شرعا؟ بارك الله فيكم ونفعنا بعلمكم.
خلاصة الاستشارة:
هذه المعاملة غير قائمة على مراعاة الشروط الشرعية للعقود، ولأحكام القرض المنفصلة عن أحكام البيع، وعن حكم التورق، لذلك فهي عملية تتداخل فيها أجزاء من هذه المعاملات كلها في توليفة جديدة، لا ينطبق عليها أي من التكييفات الفقهية، فهي معاملة غير جائزة، وتتضمن جملة من المخالفات الشرعية، وهي: ربوية القرض بين الوزارة والبنك، الشرط المبطل للعقد (دفع الربا حال التأخر في السداد)، ربوية القرض حال التأخر في الدفع، بيع ما لا يملك، العينة المحرمة (التورق المنظم).
أولا: تصوير المسألة .
1/ تصوير القرض:
لقد اطلعت الهيئة على اتفاقية القرض الموقّعة بين بنك الفلاحة والتنمية الريفية، والمقترض، كما اطّلعت على التعريف بالقرض المنشور في موقع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية (http://madrp.gov.dz)، والذي جاء فيه ما يلي:
(قرض الرفيق هو قرض موسمي مدعوم، يمنحه بنك الفلاحة والتنمية الريفيةBanque BADR ، يشتمل قرض الرفيق على القرض الموسمي والقرض الفيدرالي).
المستفيدون من هذا القرض هم:
المزارعون والمربون، على شكل فردي أو على شكل تعاونيات أو مجموعات أو رابطات أو اتحادات.
المزارع النموذجية.
المؤسسات الاقتصادية التي تسهم في تكثيف المنتجات الزراعية وتجهيزها واسترجاعها وتخزينها.
خصائص قرض الرفيق:
1- هو قرض لمدة سنتين.
2- تتحمل وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري التغطية الكاملة للفائدة.
3- أي مستفيد من قرض الرفيق يسدد ما بين 6 و24 شهراً يستفيد من دفع جميع الفوائد من قبل وزارة الفلاحة، وكذلك يستفيد من قرض آخر بنفس الصيغة للفترة التالية.
4- أي مستفيد من قرض الرفيق ولا يسدد في مدة السنتين، يفقد حق تسديد دفع الفائدة، من قبل وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، ويفقد حق الاستفادة من قرض آخر.
المجالات التي يغطيها قرض الرفيق:
1- القرض الموسمي:
اقتناء المدّخرات اللازمة المتعلقة بنشاط المستثمرات الفلاحية (البذور، الشتلات، الأسمدة، مبيدات …).
اقتناء أعلاف للحيوانات الموجهة للتربية، و وسائل الري، ومنتجات الأدوية البيطرية.
اقتناء المنتجات الفلاحية لتخزينها ضمن نظام ضبط المنتجات الفلاحية الواسعة الاستهلاك «SYRPALAC».
عمليات زراعية.
حملة الحصاد والدرس.
2- القرض الفيدرالي:
القرض الفدرالي موجه للمتعاملين الاقتصاديين، المؤسسات الاقتصادية والتعاونيات والمجموعات المشاركة في الأنشطة التالية:
تحويل الطماطم الصناعية، إنتاج الحليب، إنتاج الحبوب، إنتاج بذور البطاطس، وحدات تصنيع العجائن (المعكرونة والكسكسي)، تغليف وتصدير التمور، إنتاج زيتون المائدة وزيت الزيتون، إنتاج العسل، إنتاج منتجات محلية Produits du terroirs، إنشاء وحدات الثروة الحيوانية ومراكز التسمين، التلقيح الصناعي ونقل الأجنة، ذبح وتقطيع الدواجن، تسويق المنتجات الزراعية وتخزينها وتعبئتها وتثمينها، إنتاج وتوزيع الأدوات الزراعية الصغيرة والري والبيوت البلاستيكية.
2/ تصوير عمل المموِّل:
المموّل هو المصنع، أو المتجر الذي يحيل البنكُ الفلاّحَ عليه، ليقتني السلعة منه مباشرة، حيث يدفع البنك ثمن السلعة للتاجر، ويكون ذلك قرضا للفلاح يدفعه على مراحل، بدون فائدة إذا التزم بأداء الدّين في الآجال المحددة، وبفائدة إذا لم يلتزم بذلك.
وإذا أراد الفلاح أن يقبض ثمن السلعة، لا السلعة نفسها، ليتصرّف في المبلغ كما يشاء، فالمموّل يعرض عليه أن يشتري منه السلع التي اتفق مع البنك على تسعيرها بـ (150) مثلاً، فيشتريها منه قبل تعيينها بـ (100) أو بأقل.
وبذلك يربح المموّل ثلاث مرات في صفقة واحدة: مرة تكمن في سعر السوق، ومرة في البيع المقسّط للفلاّح الأوّل، ومرة في شراء السّلعة تورّقا لبيعها مرة أخرى.
ثانيا: تكييف المسألة وبيان حكمها
هذه المعاملة غير قائمة على مراعاة الشروط الشرعية للعقود، وأحكام القرض المنفصلة عن أحكام البيع، وعن حكم التورق، لذلك فهي عملية تتداخل فيها أجزاء من هذه المعاملات كلها في توليفة جديدة، لا ينطبق عليها أي من التكييفات الفقهية:
1. فحيث إنّ الوزارة تدفع الفائدة الربوية للبنك عن الفلاّح، فالمعاملة مشتملة على مداينة ربوية، والفلاّح بدخوله فيها يكون سبباً في هذا التعامل الربوي، وذلك غير جائز من جهة الذّريعة، فإذا لم يجد الفلاّح عن هذا القرض البدائل الشرعية التي تنجيه من اللجوء للربا، وإلاّ هلكت فلاحته وعمله، فيُباح له عملا بقاعدة: ما حُرِّم للذّريعة يباح للحاجة، هذا لو اقتصر فساد القرض على هذه الجزئية (أي المداينة الربوية بين الوزارة والبنك)، أما وإنّ شرط الرّبا يطال الفلاح أيضا، ويدخل ذلك في صميم المعاملة، لا في مجرد الذريعة، فالمعاملة لا تبيحها الحاجة، كما أنّ الضرورة الملجئة إليها قلّ أن تُــتصوّر، وعند الوقوع يُفتى في الوقائع حالةً بحالة.
2. وحيث إنّ البنك لا يشتري السّلعة من المموّل فــيـبـيعها للفلاّح، ولكن يحيل الفلاّح ليشتري من المموّل مباشرة، دون أن يكون بين البنك والمموّل عقد شراء، فالمعاملة عبارة عن قرض من البنك للفلاّح، لثمن ما يشتريه من المموِّل، بفائدة تلزمه في حال عدم قضاء القرض في الآجال المحدّدة.
3. كون الفلاّح لا يدفع الفائدة الربوية إذا التزم بأداء الدَّيْن في المدّة المحدّدة، يفسده اشتراط دفع الفائدة إذا لم يلتزم بذلك، وهذا الشرط هو عين الربا وصميمه: «إمّا أن تقضي، وإمّا أن تربي». وهو الذي حُرِّم بنص القرآن والسنة. ونية الدفع في الأجل لا تبيح الدخول في هذا العقد؛ لأنّ الشّرط المخلّ بالثمن كشرط الربا، باطلٌ مبطلٌ للعقد ابتداءً، إلاّ أن يتنازل عنه الشارط، وقد حمل فقهاؤنا المالكية (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط) [الطبراني]، على الشرط المخلّ بالصحّة، أو بالثمن.
4. كون القرض مشروطا بالشّراء من المموّل، فلذلك لا يقبض الفلاّح سيولة نقدية، ولكن سلعة عينية، ليس من اجتماع السلف والبيع، لأنّ اجتماع سلف وبيع ضابطه أن يكون السلف أو البيع مشروطا لأحد طرفي القرض، لا لطرف ثالث، ولـمّا كان هذا الشرط لا يعود بالنفع على المقرض (البنك)، ولكن على المقترض (الفلاّح)، جاز بمقتضى تصرّف المشرِّع (الإمام) بالمصلحة في دعم التنمية الفلاحية، ولم يجز للفلاّح مخالفة هذا الشرط بالتورّق من المموّل، لما فيه من مجانبة المصلحة المقصودة، والغشّ والتحايل على مقصد الدعم، وهو تمويل المشاريع الفلاحية، لا الحصول على السيولة النقدية. فهذه الجزئية من المعاملة (أي شرط الشراء من المموِّل) صحيحة على حدتها، مع أنّ المعاملة بوصف الكلّ غير جائزة.
5. بيع الفلاّح السّلعة للمموِّل الذي اشتراها منه يُسمّى تورّقاً، وهو قسمان: جائز، ومحرّم. أمّا الجائز فهو أن يشتري الفلاّح السلعة أولا بثمن مؤجل، ثم يبيعها لغير من اشتراها منه بثمن حالّ بأقل ممّا اشتراها به، فالأصل في هذه الصورة الجواز، لقوله صلى الله عليه وسلم:﴿بِعْ الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا﴾ [مالك]. إلاّ أنّنا بينّا في النقطة السابقة أنّ ذلك مخالف لشرط البنك القائم على مراعاة مصلحة معتبرة شرعاً، فـلو باع السلعة ولو لغير المموِّل لم يجز من هذا الباب.
6. وأمّا التورق المنهي عنه، وهو الحادث في صورة الواقعة، فهو أن يبيع السّلعة دون أن يشتريها، فهو من بيع ما لا يملك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لا تبع ما ليس عندك﴾ [أبو داوود: 3503]، وإذا باعها بعد شرائها لنفس من اشتراها منه كالبيع للمموِّل، بثمن ناجز أقلّ من الثمن المؤجّل الذي اشتراها به، فهو العينة المنهيّ عنها، لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ أمّ محبّة قالت: ﴿يا أمّ المؤمنين، إنّي بعت زيد بن أرقم جارية إلى عطائه بثمانمائة درهم نسيئة، واشتريتها منه بستمائة نقدا، فقالت لها: بئس ما اشتريت، وبئس ما اشترى، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب﴾ [الدارقطني، والبيهقي]. وعن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما:﴿أنّه سُئل عن رجلٍ باع من رجلٍ حريرةً بمائةٍ، ثمَّ اشتراها بخمسين؟ فقال: دراهم بدراهمَ متفاضلةٍ، دخلت بينهما حريرةٌ﴾ [ابن أبي شيبة].
اقتراحات لتصحيح القرض:
1- أن يشتري البنك السّلع من المموّلين بعقود مستقلّة، ثم يبيعها للفلاّحين بأثمان مقسّطة مع الربح، أو يؤجرها إجارة تمليكية بشروطها المعتبرة التي ستكون محلّ بيان في استشارة أخرى بحول الله.
2- في حال عدم شراء البنك السلعة؛ يؤول الأمر إلى القرض، فيتعيّن أن يكون عقد القرض بين البنك والفلاّح مستقلاّ عن عقد البيع بين المموِّل والفلاّح، كما يتعيّن إسقاط شرط الفائدة الربوية سواء بين الوزارة والبنك، أو بين البنك والفلاح، سواء التزم المدين بالدفع في الأجل أم لا، وبدل ذلك يجوز للبنك اشتراط الرهن، بحيث إذا امتنع المدين عن الدفع آل الأمر إلى بيع الرهن عن طريق القضاء، واستيفاء الدَّين منه.
3- يجوز أن تكون عقوبة التأخير في دفع الدَّيْن غرامة مالية، بناءً على القول بجواز التعزير بالمال، بشرط أن يرجع تقدير العقوبة لجهة تحكيمية متخصّصة، لا للبنك، وبشرط ألا يأخذ البنك الغرامة لنفسه، إلاّ بقدر ما وقع عليه من ضرر فعلي جراء المماطلة في أداء الدَّين، بل يصرفها في المصالح العامّة، وبشرط أن يكون المدين موسرا، لا معسرا، بأن يملك ممّا يزيد عن حاجاته الأصلية ما يؤدّي به الدَّين.
والله تعالى أعلى وأعلم.
أعضاء الموقعون على الاستشارة
الشيخ لخضر الزاوي.
أد. عبد الحقّ حميش // أد. عبد القادر جدي // أد. عبد القادر داودي // أ. سمير كيجاور// د. محمّد هندو //
أد. مختار حمحامي // أد. يونس صوالحي // أد. ماحي قندوز