صدرت بتاريخ: الجمعة 8 شوال 1439ه
مجال الاستشارة: الفقه [الأطعمة والأشربة]
جوابًا على السؤال الآتي نصُّه:
في مسجدنا نقوم بحملات توزيع أطعمة على المعوزين والفقراء الذين لا مأوى لهم، اللاجئين وغيرهم، وفيهم المسلمون وغير المسلمين، والذي يُشكِل علينا أنّ الذي يدعمنا بكلّ هذه الأطعمة هو كبريات المحلات التجارية في باريس، وفي دعمها لا تفرّق بين ما هو حلال أكله أو ما حرم استهلاكه، فغالبا ما يكون لحم الخنزير موجودًا فيما قُدِّم لنا، فهل يجوز لنا إعطاؤه دون ابتغاء الأجر لغير المسلمين الذين هم من المعوزين والفقراء؟
خلاصة الاستشارة:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ حمل لحم الخنزير وسائر المحرّمات هو في معنى حمل الخمر، وأنّه في الحرمة سواء. وبناءً على هذا الأصل: قالوا بأنّ الخنزير كما لا يجوز بيعه، أو هبته، أو الانتفاع به بين المسلمين؛ كذلك لا يجوز إيصاله، وهبته، وبيعه لغير المسلمين.
الآراء- إلى الجواب الآتي:
الحمد لله الذي أحلّ الحلال لآدم وذريته، وحرّم الحرام لحكمته، وصلّى الله على من بعثه رحمة لأمته، محمد عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
فإنّ الله تعالى أحلّ الطيّبات والمنافع، وحرّم الخبائث والمضارّ، فقال سبحانه: ﴿الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾(الأعراف: 157). ومن الخبائث الخمر والخنزير، فقد حرّمت الشريعة تناولهما، وما يؤدّي إليه، ويعاون عليه من: حملها، وبيعها، وهبتها، وغير ذلك؛ لأنّ الوسائل لها أحكام المقاصد.
عن أنس بن مالك : ﴿لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له﴾ (الترمذي: 1295).
وعن جابر بن عبد الله أنه: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: ﴿إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام﴾(البخاري: 2236).
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّ حمل لحم الخنزير وسائر المحرّمات هو في معنى حمل الخمر، وأنّه في الحرمة سواء.
وبناءً على هذا الأصل: قالوا بأنّ الخنزير كما لا يجوز بيعه، أو هبته، أو وبيعه لغير المسلمين.
ويتأيّد هذا الرأي بما يلي:
لقد بالغت الشريعة في التنفير من الخمر والخنزير من كلّ وجه؛ حيث نهت عن مجرّد الملابسة والحيازة، ولو بسبيل الإعانة، لما يُخشى من أن يؤول ذلك إلى استحلالها، والاستهانة بحُرمتها.
أنّ الجمعية الإسلامية ليست مضطرة لحيازة الخنزير وحمله وتوزيعه، فقد يمكنها التواصل مع مثيلاتها من الجمعيات الخيرية -غير الإسلامية-، والاتفاق معها على إيكال حمل الأطعمة المحرّمة إليها، أو الاتفاق مع المحلاّت المتبرّعة على تجنّب الأطعمة المحرّمة، أو نحو ذلك من المخارج.
كما لا تظهر مصلحةٌ راجحة، أو أهدافٌ عالية، تُـــتوخّى من هبة لحم الخنزير؛ بحيث تفوت تلك المصالح بمنع هذه المعاملة، إلاّ سدّ الخلة، ودفع المخمصة التي لا تصل في هذه البلاد إلى حدّ الضرورة، ولا الحاجة العامة، والمخمصة تقدّر بقدرها.
إنّ حمل الخنزير وبيعه وهبته إنّما يحلّ عند بعض الفقهاء بين أهل الكتاب، بوصفهم غير مخاطبين بفروع الشريعة على مذهبهم، أمّا بين المسلم وغير المسلم فالجمهور على حرمته، خلافا لأبي حنيفة، ورواية بالكراهة عن أحمد، على أنّ المحمول إليه معيّنٌ فيما أجازه هؤلاء الفقهاء، بينما في حال مسألتنا هو تخزينٌ وحفظٌ إلى حين التوزيع على فقراء غير المسلمين، وقد تطول مدّة ذلك، ممّا يقوّي شبهة حيازة المحرّم، ويجعله مختلفا عن مجرّد الحمل الذي استجازه بعض الفقهاء.
أنّ في تناول هذه الأطعمة ضررا محقّقا على الأبدان، والضّرر يزال على المسلم وغيره.
أنّ رحمة الإسلام تنسجم مع الحرمة من جهة حفظ مهج غير المسلمين من المحرّمات المهلكات، حتى مع الجهل بعلة النهي.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
الموقعون على الفتوى
أ.د.الأخضر الأخضري // أ. سمير قجاور // د.محمد العربي الشايشي // أ.د.محمد سنيني // د.محمّد هندو