مقاصد الشريعة هي روح التشريع الإسلامي، وفلسفة الدّين، ونصوص الوحيين كلّها تدور على تحقيق المصالح والسّعادة للمكلفين، ومعرفة مراد الله ورسوله، ومعرفة العلل والحكم سواء كانت منصوصة أو مستنبطة أساسٌ في صوابية الاجتهاد البياني والتنزيلي، وكلما كانت تلك المعرفة مضبوطة كلّما كان التديّن صحيحًا، ولذلك اهتم العلماء عبر الزمن في توخي هذا الفن فهمًا وتطبيقًا، وقد ظهرت مدرستان متعارضتان متناقضتان عبر الزمن: مدرسة تنفي العلل وتنكرها، ومدرسة غالت في اعتبار المصالح حتى قالت بتقديم المصالح على النصوص عند التعارض، ثم نشأت مدارس من داخل الدرس الشرعي ومن خارجه؛ ترفض الاحتكام إلى المنهج الأصولي المنضبط الذي قعده علماء المسلمين عبر العصور، باسم التنوير والتجديد والحداثة، وتطرح استبداله بتفكيكات، وتلفيقات، تنتهي عند ضرب ثوابت الإسلام، وهدم القطعيات الدينية، بعضها بجهل، وبعضها بتأويل فاسد، وبعضها هي امتداد لأجندات استشراقية أو استعمارية أو تغريبية.
فيأتي هذا المشروع ليناقش بالحجة العلمية، والبرهانية مزاعم الحدثيين، وما يوجهونه للمنظومة الفقهية والأصولية والمقاصدية من طعون وانتقادات، من خلال الفصول الآتية:
فصل تمهيدي: حول المقدمات والمصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالبحث. ويتضمن دراسة سياقات نشأة الحداثة: السياق الغربي، والسياق العربي، والسياق المنتسب للمنظومة الإسلامية، مع بيان أغراضها المختلفة. كما يتضمن استعراضا لأنواع المداخل الحداثية: المدخل الفلسفي، المدخل العقدي، المدخل السياسي، المدخل الحضاري، المدخل التاريخي، المدخل الأدبي واللساني، المدخل التشريعي والقانوني، المدخل الأصولي والمقاصدي. ثم يدلف إلى توضيح حقيقة الحداثة والنقد الحداثي، وأهم سماته، وحقيقة التراث الإسلامي وما يتصل به من ألفاظ ومفاهيم.
ثم يكون الفصل الأول من الدراسة في نقد النقد الحداثي للتراث الإسلامي في تفسير القرآن الكريم والدراسات القرآنية. فننقد جملة من الدعاوى والشبهات غير المؤسسة علميا ومنهجيا، ومنها: دعوى الطعن في جمع القرآن، ودعوى التأويل والقراءة المعاصرة للنص، ودعوى أنسنة الخطاب القرآني، ودعوى ظرفية الخطاب القرآني.
وأمّا الفصل الثاني؛ فهو مخصص لنقد النقد الحداثي للتراث الإسلامي في توثيق السنة النبوية وتفسيرها والدراسات الحديثية، من خلا نقد دعوى الاكتفاء بالقرآن وعدم حجية السنة، ودعوى الطعن في مناهج الرواية، ودعوى عدم تعلق السنة بأمور الدنيا، ودعوى صلاحية السنة للمجتمع العربي ذلك الزمن، دون ما يتعداه … وغيرها من الدعاوى.
أما الفصل الثالث، فيتمحور حول نقد النقد الحداثي للتراث الإسلامي في مجال الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة، بدءًا بدعوى بشرية الفقه وأصوله، ثم دعوى تاريخية الفقه وأصوله، ثم دعوى التقصيد والتعليل والتنزيل، ثم دعوى التجديد.
وينتهي هذا الجزء الأول من المشروع بالفصل الرابع، حول نقد النقد الحداثي للتراث الإسلامي في مجال السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، مثل دعوى استمداد الإسلام من الأديان والحضارات السابقة، ودعوى سياسوية الإسلام، وأن أغراضه مادية توسعية، ودعوى النزعة الحربية في التاريخ الإسلامي … وغيرها من الدعاوى.
على أن يستتبع هذا الجزء بأجزاء أخرى تتناول النقد الحداثي في مداخله الأخرى: كالمدخل الفلسفي، والمدخل العقدي، والمدخل السياسي، والمدخل الحضاري …