أولا: من صور الصدّ عن سبيل الله في مواقع التواصل الالكتروني.
الأصل في المسلم أنّه داعية إلى الله، ملتزم بدين الله، مُوالٍ لأولياء الله، وهذا يقتضي منه أن لا يكون من الذين يصدّون عن سبيل الله، لكن -للأسف الشديد- كثيرون منّا يقعون في هذه الجريمة وهم يعلمون أو قد لا يعلمون، فالذين يعلمون لا حديث لنا معهم، وليس لنا إلاّ أن نشكوهم إلى الله الذي يحاربون دينه وأولياءه، ومن حارب الله هلك لا محالة. لكن حديثي مع الذين لا يعلمون صور الصدّ عن سبيل الله، لعلّهم -بمعرفتها- يجتنبون الوقوع فيها، أو يعرفون أهلها فيحذرونهم، فأقول وبالله التوفيق: يدخل في معنى الصدّ عن سبيل الله -قديمًا وحديثًا- صورٌ عديدة، منها:
– الذي ينشر ما يُفسد عقائد النّاس، ويزعزع يقينهم في ثوابت الدّين وقطعيّاته، ويفسد حسن فهمهم للإسلام، وحسن التزامهم بأحكامه.
– الذي ينشر ما يُبغِّض للنّاس دينَهم، ويشكّكهم في كونه مصدرَ سعادتهم الأوحد، ويَحرمُهم من أنواره وبركاته.
– الذي ينشر ما يُبطِل أو يُضعف ولاءَ النّاس لربّهم ودينهم وأُمَّتهم، ويقوِّي ولاءَهم لأعداء ملّتهم وأمّتهم، ويزيّن لهم ما هم عليه من كفر وفسوق وغفلة.
– الذي ينشر المدح (المطلق) للكفرة والمستهزئين بالدّين والرّسل وأحكام الشّرع، وينافح عنهم كأنّهم أنبياء معصومون، وكأنّهم أولياء نعمته المقرّبون، بل ويعادي كلّ من بيَّن للناس باطلَهم، ونفّر النّاس من كفرهم وزندقتهم، ولو كان من أكبر الـمُنصفين.
– الذي ينشر الذّمّ (المطلق) للذين يلتزمون –حقًّا وصدقاً- بهذا الدّين، ويتفنّن في معاداتهم، والبحث عن أخطائهم، ويفرح بها وينشرها كأنّها اكتشافاتٌ عظيمة وصل إليها. ولا يترك فرصةً لصرف النّاس عنهم –بالباطل– إلاّ استغلّها ونفث فيها سمومه الفاتكة بالبسطاء وغير المختصّين.
– كلّ من يُشيع الفاحشة في حياة المسلمين، إِمَّا بفرضها فرضًا على النّاس، أو بتشريع ما يدفع إليها دفعًا، أو بتشجيع ما يرغِّب النّاس فيها ويزيّنها لهم، أو بإكرام أهلها ودعوة النّاس إلى الاقتداء بهم فيها، أو بمحاربة من ينكرها ويجتهد في صرف النّاس عنها، أو بغير ذلك من أساليب الفساد والمفسدين.
– وبإجمال، كلّ من حارب ما جاء به الأنبياء، ونزل به القرآن من السّماء، أو عادى الأولياء (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس: 63]، وتفنَّن في الولاء للأعداء؛ فهو من الذين يصدّون عن سبيل الله الذين قال الله عنهم: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم: 3]. وقال سبحانه: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) [الزخرف: 36-37]، وقال عزوجل: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 19-21].
نسأل الله أن يجعلنا جميعًا هداةً مهتدين، لا ضالّين ولا مضلِّين، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، الذين (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون) [يونس: 62]، وأن لا يجعلنا فتنة للمؤمنين، وأن يُحسن خاتمتنا أجمعين. آمين.
ثانيا: من صور الدعوة إلى دين الله في مواقع التواصل الالكتروني.
الأصل في المسلم أن يكون داعية إلى الله، مرغّبا للنّاس في الالتزام بدينه وخدمته، (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، والأصل أنّ المسلم يتفانى في خدمة الإسلام والمسلمين بما يُتاح له من وسائل وأساليب متّبِعًا في ذلك منهجًا من المناهج، وأغلب الدّعاة يعرفونها أو على الأقلّ يعرفون أشهرها، ولكن هناك من لا يعرف كثيراً منها، فأقول وبالله التوفيق: من صور الدعوة إلى الله وخدمة الأمّة في عصرنا -استفادةً من وسائل عصرنا- ما يلي:
– كتابة منشورات علمية ودعوية مباشرة، تُراعَى فيها فرائض الوقت، ومقتضيات الواقع، وما تحتاجه الأمة، وما ينفعها ولا يضرّها، وغير ذلك ممّا تقتضيه الحكمة، ويُسْهِم في تحقيق الهدف، وفي رقيّ الأمة ونهضتها، ومن ذلك:
أ- القرآن والسنة والآثار الطيّبة، والحِكَم والأشعار البليغة، والكلام العلمي الصحيح والنافع. (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
ب- نشر ما يُبطل الأطروحات المنحرفة وينسف بنيانها نسفًا دون إشارة لها ولا دعاية لأصحابها، (من باب: إشعال شمعة أولى من لعن الظلام).
ج- الردّ على المبطلين المجاهرين ومقولاتهم المشهورة والذائعة، بعلم وحكمة وقوة حجة وبرهان، وهو منهج قرآني، وسنة نبوية، ومسلك هداية سار عليه الأفاضل والأكابر.
– إعادة نشر ما ينشره غيرك من الأفاضل والحكماء، من المنشورات النافعة التي تحقّق المقصد المذكور، مع نسبة الكلام لأصحابه، فالمشاركة -وهي لا تكلّفك إلاّ القراءة والتثبّت من نفع المنشور، والتأكد من حسابات أصحابها وصبغتها العامة- من أنفع طرق الدعوة إلى الله.
– الدلالة على المنشورات النافعة ومواقع أصحابها وحساباتهم، وعلى المحاضرات والدورات النافعة ومواعيدها، وعلى السلاسل والتطبيقات الجادّة ومواطنها؛ لأنّ الدّال على الخير كفاعله، والحمد لله على هذه النعمة العظيمة.
– الدخول للحسابات الجادّة، ومتابعتها بشكل مستمرّ حسب الطاقة، لتحقيق هدفين:
الأول: تحديث معلوماتك ومتابعة ما يطرحه المثقفون ومعرفة أولوياتهم، ممّا ينعكس إيجابيا على عقلك ومنشوراتك واهتماماتك ومعرفة واقعك.
الثاني: تشجيعهم بمتابعة أمثالك لمنشوراتهم وإعجابك بها، وإعادة نشرها لخدمتهم بتكثير المتابعين لحساباتهم، وهو صورة من صور التعاون على البر والتقوى. (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
– دخول المتخصّصين -الـمُحصّنين بضوابط العلم فقط- للحسابات المضرّة والتي يشتهر أصحابها بالخطاب المعادي للدّين، أو بالخطاب المتأثّر بطروحات منحرفة ومؤثّرة في الساحة الثقافية، خاصّة إذا كان لها متابعون كثيرون، وذلك لتحقيق هدفين:
الأوّل: الاطّلاع على الخطاب الآخر ومعرفة توجّهات أصحابه وأساليبهم ومناهجهم، ومدى تأثيره على السّاحة المستهدفة له؛ وذلك لتوظيف ذلك في توجيه الخطاب الدّعوي، وتحديد أولوياته.
عرفتُ الشرّ لا للشرِّ ولكن لتوقِّيه *** ومن لا يعرفْ الشرّ من الخير يقعْ فيهِ
الثاني: التعليق عليه بما لا يجده متابعو حسابات أصحابها فيها غالبا من الخطاب المقابل والمخالف للطروحات المشهورة لديهم والمتداولة بينهم، ثم للدلالة على مواقع لا يعرفونها أو لا يهتمون بها عادة، وأبسط ما هنالك أن ينتبه المتابعون لهم بأنّ هناك خطاباً آخر قد ينتفع به المنصفون منهم، وقد يهتدي بسببه كثيرون منهم، وأقلّ ما هنالك هو إقامة الحجّة وأداء الواجب.
(وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 164-165].
– إنشاء مجموعات رساليّة نافعة متنوّعة التخصّصات، والمشاركة في الموجود منها، توسيعًا لدائرة الإفادة والاستفادة، فضربةُ زرّ واحدة توصل إلى المئات والآلاف ما تريد عن طريق هذه المجموعات كما لا يخفى.
– تسجيل مقاطع قصيرة هادفة ومتنوّعة للدعوة إلى الخير، وتصحيح الأخطاء والمفاهيم، ونشر الوعي، والإسهام في مشروع الاستغلال الراشد لهذه الوسائل، ومزاحمة أهل الباطل الذين يستحوذون عليها بتفاهاتهم وسفاسفهم، وسدّ ثغرة يجب سدّها -بعلم ورشد- في عصر لا يخلو فيه جيب كبيرٍ أو صغير من وسيلة من هذه الوسائل. وهذا يجب أن لا يُقبل عليه إلاّ القادرون ذوو الكفاءة والمواهب وتحقّق الشروط.
هذه بعض الخواطر من وحي النصوص ونفحات التجربة، أرجو أن تجد من الله قبولاً وتيسيراً، ومن الناس آذانا مُصغية، ومبادرات طيبة. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصّلت: 33]. والله الموفق وهو يهدي السبيل.
شارك المنشور على
Share this content