الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على سيّدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
ففي ظلّ حملاتٍ مُمنهجَة لقُوى ومنظمات عالميَّة بما تملكه من وسائل إعلام، وبرامج ترويحيَّة وغنائيَّة، ومنصَّات الكترونيّة، وتوظيف لشخصيَّات شهيرة، وغير ذلك من الأساليب؛ بهدف الترويج لفاحشة الشُّذوذ الجنسي، وتقنين انتشارها بين الراغبين في ممارسة هذا الانحراف في مختلف المجتمعات حول العالم، بما فيها المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة.
في ظلّ هذه الكارثة اللاأخلاقية الجديدة؛ يُعرب مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية عن استنكاره الشَّديد لتلك الحملات غير الإنسانية، والمخطَّطات الشيطانيَّة، وما تهدف إليه من هدم منظومة القيم الخلقية والاجتماعية لمؤسسة الأسرة، ومسخ هُوِيَّة أفرادها، والعبث بأمن المجتمعات واستقرارها.
ويؤكّد المركز رفضه القاطع لكلّ محاولات ترويج الشذوذ الجنسي وما يسمّى بـ «زواج المثليين»؛ سيَّما في العالم الإسلامي، كما يُعلن رفضه القاطع تسمية هذا الشذوذ زواجًا، فالزواج في الأديان، بل وفي عوالم الكائنات الحَيَّة؛ لا يكون إلاّ بين ذكر وأنثى، وفق ضوابط مُحدَّدة.
كما يؤكّد أنّ الشذوذ الجنسي فاحشةٌ مُنكرةٌ، مخالِفةٌ للفطرة الإنسانية، وهادِمةٌ للقيم الأخلاقية، وسلوكٌ عدواني، يعتدي به فاعلُه على حقِّ الإنسانيَّة في حفظ جِنسِها البشري، وميولها الطبيعية بين نوعيها، وعلى حقِّ النشء في التربية السَّوية بين آباء وأمهات.
ثمّ إنّه سقوطٌ في وحل الشهوات الهابطة التي حرَّمتها وحذَّرت من ممارستها الشرائعُ الإلهية، والأعرافُ المستقيمة، والفطرةُ الإنسانية السَّوية؛ لما يؤدّي إليه هذا السلوك الهمجي اللاإنساني من سَحْقٍ لكلِّ معاني الفضيلة والكرامة، واستجابة لغرائز وشهوات دون قيدٍ، أو ضابط، أو وازعٍ من ضمير.
ويلفت الأزهر أنظار الشباب المسلم إلى أنَّ الشذوذ الجنسي، أو ما سمّوه بـ «الزواج المثلي» حرام، وهو من كبائر الذنوب، وأنّ اللهَ تعالى قد أرسل من رُسله نبيًّا كريمًا، هو سيّدنا لوط عليه السلام؛ ليخرِج قومَه من براثن هذه الفاحشة المنكَرة، وأنّها كانت سببًا في تدمير بلدة كاملة، وهلاك أهلها؛ فقال الله سبحانه: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾. [الأعراف: 80 -84]
والمتأمّل في الآيات الكريمة يقف على أوصاف القرآن لهذه الفاحشة بما يَنفي عنها صِلتها بالتَّمدُّن أو التَّحرُّرِ أو التَّنوير -على عكس ما يُروَّج له-؛ بل إنّ امرأة لوط -عليه السلام- عُدّت من أهل المعصية رغم أنّها لم تفعل أفعالهم، وأصابها من العذاب ما أصابهم، حينما تقبَّلت مُنكرَهم، واعتبرته حريّةً شخصية.
وقال سيّدُنا رسول الله ﷺ في هذه الفاحشة: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» [أخرجه الحاكم].
ويشير المركز إلى أنّ محاولات فرض ثقافة الشذوذ الجنسي على العالم الإسلامي بدعوى قبول الآخر، وكفالة الحقوق والحريات هو من قبيل التَّلاعب بالألفاظ، والتَّنكُّرِ للدِّين والفِطْرة والقيم الإنسانية، والعودةِ إلى عهود التَّسلط الفكري في أزمنة الاستعمارِ وفرضِ الوصاية على الشُّعوب والأمم؛ مُشدِّدًا على ضرورة احترام ثقافات الدول والمجتمعات، وأهمية تمسُّك المجتمعات الإسلامية والعربية بهُوِيَّتها، وقِيَمِها، وتعاليم دينها الحنيف.
فليس كلّ ما تراه الكياناتُ المنحرفة عن ركب الفطرة والقيم الإنسانية قيمةً من القيم، هو كذلك في واقع الأمر!
فقد ترى هذه الكياناتُ بعضَ السلوكيات حسنًا وهو في ميزان الأديان، والقيم الشرقية الحضارية، في مُنتهى السوء والقُبح. وعلى شبابنا في الدول الإسلامية أن يعلموا أنّ الأديان والرسالات الإلهية تشكّل حائط صدٍّ لوقايتهم من هذه الأوبئة التي تهبّ عليهم بين الحين والحين ممّن لا يُقيمون أيّ وزنٍ لهَدْي السماء، ودعواتِ المرسلين والأنبياء، وحكمة العقل، ونداءات الضَّميرِ.
ويَشدُّ مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية على أيدي الآباء والأمّهات، والقائمين على المؤسّسات الإعلامية والثَّقافية والتَّربوية والتَّعليمية، فيما يضطلعون به من أدوار تربوية نحو النَّشء، بما يُعزِّز قِيَمهم الدِّينية والمجتمعية القويمة والرَّاقية، ويُحَصِّنهم من الوقوع في براثن هذه الهَجَمَات.
هذا؛ ويُقدِّم الأزهر لأولياء الأمور بعض النصائح والمقترحات التي تساعدهم على حماية أولادهم من خطر هذه الفاحشة المنكرَة، وهي:
أوّلاً: مُتابعة أنشطة الأولاد الواقعية والالكترونية؛ بغرض تحصينهم من رسائل ترويج وتقبُّل ودعم الشُّذوذ الجنسي مدفوعة الأجر في المحتويات والأنشطة الآتية: (الألعاب الالكترونية، تطبيقات الهواتف والأجهزة الذَّكية، الأفلام الكرتونية، المسلسلات والأفلام السّنمائية، المواد الرائجة على مواقع التَّواصل الاجتماعي، الكتب والروايات، فعّاليات دورات الألعاب الرياضية، إعلانات وملصقات البضائع والمنتجات)، وغيرها.
ثانيا: توضيح موقف الأديان والفضائل الرافض للشذوذ الجنسي، ونشر وعي صحيح يتصدّى للدعاية الموجَّهة لهم عبر المنافذ المذكورة.
ثالثا: شغل أوقات فراغ الأبناء بما ينفعهم من تحصيل العلوم النَّافعة، والأنشطة الرياضيَّة المُختلفة.
رابعا: تنمية مهارات الأبناء، وتوظيفها فيما ينفعهم، وينفع مجتمعهم، والاستفادة من إبداعاتهم، وتقديم القُدوة الصَّالحة لهم.
خامسا: تخيّر الرُّفقة الصَّالحة للأبناء، ومتابعتهم في الدراسة من خلال التواصل المستمرّ مع معلّميهم.
سادسًا: التَّشجيع الدَّائم للشَّباب على ما يقدّمونه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء، ومنحهم مساحة لتحقيق الذات، وتعزيز القدرات، وكسب الثقة.
ولا يفوت مركز الفتوى أن يُنَبِّه على خطر المحتويات الإباحية، ودورها في نشر الشذوذ الجنسي، وتفشِّي الرَّذائل والظَّواهر المجتمعية المشينة والمرفوضة، التي يحتاج علاجها إلى أوقات طويلة، ونيَّة صادقة، وجهود مضنية ومُتكاتفة.
وأخيرًا يُـنبِّه المركز إلى أنَّ مواجهةَ هذه السُّلوكيات التي أجمعت الأديان والشَّرائع على تحريمها، وتجريم ارتكابها، وحَظْرَ موادها الإعلامية والتَّرويجية؛ كلّ ذلك من أوجب الواجبات الشرعيَّة على المسؤولين وعلى الآباء والأمهات، ورجال التعليم والإعلام؛ لتحصين المجتمع والشباب من الوقوع في هذا المنزلق المدَمِّر.
واللهَ نسألُ أن يحفظ بلادنا وشبابنا من كلِّ سوء، وأن يهدينا سواء السَّبيل.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبارَكَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّد وآلِهِ وَصَحبِهِ، والحَمْدُ لله ربِّ العَالَمِينَ.
شارك المنشور على
Share this content