الاستشارة رقم-20-: تكييف مسألة في الميراث، وبيان الأنصبة

You are currently viewing الاستشارة رقم-20-: تكييف مسألة في الميراث، وبيان الأنصبة

الاستشارة رقم-20-: تكييف مسألة في الميراث، وبيان الأنصبة

صدرت بتاريخ: الجمعة 04 جمادى الثانية 1443ه

مجال الاستشارة: الفقه [المواريث]

عنوان المسألة: تكييف مسألة في الميراث، وبيان الأنصبة ______________________________________

وقد وردت جواباً على السؤال الآتي: أب له محلٌّ(locale) عنده سبعة أبناء وبنت، فسمح لأولاده الثَّلاثة الكبار بالعمل في المحلِّ، على أن يعتَنُوا بإخوتهم الباقين أيضا، ووكَّلهم في التَّصرُّفات القانونية التي يحتاجها عمل المحلِّ. الأولاد الثَّلاثة الكبار اشترَوْا بأموالهم المعدَّات والتَّجهيزات اللَّازمة للعمل في الجزارة(boucherie)، وعملوا لسنتين أو ثلاثة، ثم التحق بهم بقيَّة الإخوة الصِّغار في العمل، على تفاوتٍ في نسبة العمل، وبقي أخوهم الأصغر مشتغلاً بالدِّراسة. الإخوة الكبار كان لهم التَّدبير في العمل مطلقًا، وما يتحصَّل من الرِّبح يقتسمونه بينهم، ويعطون الإخوة الباقين بحسب حاجاتهم في النَّفقة، مع تفاوتٍ في ذلك، والأب كان يقتطع لنفسه نصيبًا بين الفينة والأخرى. كان الأخ الأكبر أمينًا على المال، فما يتحصَّل من الأرباح يَرْجِع إليه، وهو يأخذ لنفسه، ويعطي إخوته بحسب ما يحتاجون من النَّفقات، بنِسَبٍ غير خاضعة إلَّا لتقديره وأمانته، وربما من يُلِحُّ أو يغالِب في الحصول على حصَّة أكبر ينالها. كبرت أعمال الإخوة، واشتروا بحصيلة الأرباح محلًّا ثانياً، وكتبوه باسم والدهم وأولاده (قالوا: أدخلنا الوالد من باب الإكرام والاحترام)؛ ثم محلًّا ثالثاً وكتبوه باسم الأولاد، ما عدا الأصغر؛ ثم أرضاً بنوا عليها طوابق سكنية، وهي باسم الأولاد أيضاً، وهذا خلال مدة 23 سنة من العمل. الآن مات والدهم قبل شهور، ويحصل حاليًا نزاعٌ في القسمة، على وجه الخصوص في نصيب الأخت؛ فإنَّ الإخوة الكبار قوَّموا المحلَّ الأوَّل الذي تركه والدهم بـــــ 6 مليار، وقالوا لأختهم تَسْتَحقِّين من ذلك حوالي 200 مليون، وهي رفضت ذلك، وطلبت الحصول على مليار سنتيم. فكيف تقسم هذه التركة، علما أن والدتهم على قيد الحياة؟  

خلاصة الاستشارة:

1. إذن الأب لأبنائه الكبار بالعمل في محلِّه يُحمَل على التبرُّع منه لهم بمنفعة المحلِّ، وقوله: (اخدمُو واتْهَلّاو في خاوتكم) [عبارة من دارج العامي في الجزائر، معناها: اعملوا في المحل واعتنوا بإخوتكم] ليس صريحا في إجارته لهم، والعقود إنما تنعقد بالصيغ الدالة على معانيها، لا بالألفاظ البعيدة والمحتملة؛ وبناءً عليه: فما أعطى الإخوةُ العاملون من نفقةٍ لإخوتهم الصغار – من قَبْل أن يشركوهم في العمل- ولأبيهم؛ فهو تبرُّعٌ وإحسان منهم إليهم، وليس للكبار أن يرجعوا على إخوتهم الصّغار ولا على أبيهم بشيء مما أنفقوا إلا أن يكون ذلك على مشارطة مع الأب فلهم الرُّجوع، وإن شحَّ الأب في المحلِّ في حياته فله كراء المِثْل، وأمَّا ما كان الأب يقتطعه لنفسه؛ فإن كان على شرطٍ حاسبوه بما أخذ ويكون دَيْناً عليه في تركته؛ وإلَّا فهم متبرِّعون.
2. الأموال المكتسبة من عمل الأولاد الكبار في المحلِّ بأعمالهم وأموالهم، هي خالصة لهم، شركةٌ بينهم بالتساوي إن تساووا في الأسهم التي جمعوا منها رأس المال، فإن اختلفت الأسهم فلكل واحد من الربح على قدر مساهمته.
3. التحاق الإخوة الصِّغار بإخوتهم في الأعمال، إن كان بالعمل فقط فهي إجارةٌ على عمل الأبدان لهم منها أجرة المثل؛ فإن ساوت النفقة التي كانوا يقتطعونها أجرة المثل فذاك، وإلا فالنقص دين على إخوتهم والزيادة تبرّع من إخوتهم عليهم، وإذا ساهموا بأموال مثل إخوتهم الكبار من قبل، كانوا شركاء معهم على ما بينّا في البند الذي قبله.
4. النَّفقات المقتَطَعة من الأخ الكبير المعيَّن للتَّصرُّف، ومن إخوته الشُّركاء؛ تحسب من الرِّبح الإجمالي لكل واحد منهم الذي يظهر عند المفاصَلة والمحاسبة، كما في اقتطاع العامل أو رب المال في القراض (شركة المضاربة) نفقتهما قبل التَّفاصل والمحاسبة.
5. المحلُّ الثَّاني يكون الأب فيه شريكاً بما حدَّدوا له في عقد الكتابة من النِّسب كالسدس أو العُشر؛ وكذلك الشأن في كل واحد من أبنائه. فإن اكتفوا بجعل المحلّ شركة بينهم أو جعلهم شركاء فيه، فالحكم على التَّساوي بين الجميع، وهم في ذلك متبرعون بالسهم الذي أعطوه للأب في المحل؛ ليس لهم بعد ذلك رجوع عليه قبل موته ولا بعده.
6. المحلَّ الثَّالث يشترك فيه الإخوة ما عدا أصغرهم، على ما بينّا في البند الذي قبله، من التساوي في السهام عند الاكتفاء بجعله شركة بينهم أو جعلهم شركاء فيه. وكذلك في الأرض والبناء الذي فوقها ويدخل معهم الصغير إن لم يستثنوه.
7. الأخت المطالِبَة بميراثها من أبيها؛ شريكةٌ في أعيان ما تَرَكَ الأب، لا في قيمتها؛ إذ ليس لأحد أن يجبر وارثاً على المخارجة [المخارجة: أن يصالح الورثة واحداً منهم على مبلغ من المال على أن يسلِّم إليهم سهمه ويخرج من بينهم ]؛ لأنها بيع، والبيع لا يَلزم المالكَ إلا في الجبر الحكمي، وليس لها هي أن تُلزمهم بأي مبلغ حتى يرضَوْا؛ لذات المعنى والسبب، وحقُّها محصورٌ في المحلِّ الأوَّل، وفي حصَّة الأب من المحلِّ الثَّاني، وغيرِ ذلك ممَّا ترك من الأموال العينية والنقدية إن كانت له تركة.
8. هذه الفريضة الشَّرعية في ما ترك هذا الأب: أصلها من ثمانية: مخرج فرض الزوجة التي هي أُمُّهم، وتَصِحُّ من 120سهما، 15 سهما وهو ثمُنها للزوجة؛ ولكل ابن 14 سهما؛ ولأختهم 7 أسهم.
9.تحديد قيم الأنصبة يحتاج إلى محاسبة تخصُّصية في كلِّ مرحلة من مراحل التَّكييف السَّابق ذكرها.
10. المذكور هو تكييف شرعيٌّ للواقعة كما وردت في نصِّ السُّؤال، ووفقا للمعطيات الواردة في نص السؤال، والمخرج في مثل هذه المسائل يدور بين الصُّلح والقضاء، والمصالحة مفضّلة شرعاً وأخلاقاً على القضاء الحاسم لما فيه إيغار الصُّدور، وكِلَا الأَمْرَيْن – المصالحة أو القضاء- يحتاج إلى مجالساتٍ، ووقوفٍ على دقائقَ وتفصيلاتٍ وتوثيقاتٍ يُدْلي بها الأطراف المعنيُّون.


أولا: التكييف الشرعي للواقعة الورادة في نص السؤال مع أحكام المسائل وأدلَّتها:

الفقرة الأولى من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

أوَّلا: إذن الأب لأولاده بالعمل في محله تبرّع لا إجارة:

إذن الأب لأبنائه الكبار بالعمل في محلِّه يعدّ تمليكَ منفعةٍ، وتمليكُ المنفعة: «إذنُ مَالكِ العينِ لغيره في أن يُبَاشِر هو بنفسه، أو يُمَكِّن غيره من الانتفاع بالعين». وحيث كان إذن الأب عارياً عن العوض فلا يكون إجارةً بل هو عارية ]الفروق للقرافي: 1/193[؛ إذ الإجارة: «عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض» [الشرح الصغير مع حاشية الصاوي: 4/6[. وهناك توافق – في أنّ الإجارة لا تكون إلاّ بعوض- بين ما جاء به الشرع؛ وما جاء به القانون المدني الجزائري في المادة 467(معدَّلة) التي تنصُّ على أنَّ الإجارة: «عقد يُمَكِّن الـمُؤَجِّرُ بمقتضاه الـمُستَأجِرَ من الانتفاع بشيء لـمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ؛ مقابل بدلِ إيجارٍ معلومٍ، وتكون الأجرة في الأصل مالًا؛ إلا أنَّه يجوز أن يكون هذا البدل تقديمَ عملٍ».
ومن ثَمَّ يُحمل إذن الأب لأبنائه الكبار بالعمل في محلِّه على أنه عارية للمحلّ؛ أي: تبرُّع بمنفعته لهم. ومعلوم أنَّ:
عقود التبرع هي: «العقود التي يُتوصّل بها إلى تمليكَ عينٍ أو منفعةٍ من طَرَفٍ لآخرَ دون عوضٍ»، وهو ما كان من الأب؛ بخلاف عقود المعاوضات كالبيع والإجارة وغيرهما؛ فهي التي يأْخذُ فيها كلٌّ من الطَّرفين مقابلًا لما يَلْتَزِمُ به.
والحاصلُ أنَّ الإجارة والعارية كليهما تمليك؛ إلا أنَّهما يفترقان في العوض، فما كان فيه التَّمليك دون عوضٍ فهو عارية؛ وما كان فيه تمليك منفعة مقابل عوض فهو إجارة.

ثانيًا: الأرجح اعتبار الصيغة إذا كانت أشهر في دلالتها على المعنى:

اختلف الفقهاء في المعتبر في العقود: ألفاظُها أو معانيها؟ وقد عُبِّر عن القاعدة بصيغ مختلفة؛ فهي عند المالكية بعبارة: «هل يُقَدَمُ اللَّفظ أو القصد عند تعارضهما؟» ]شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب: 2/579[؛ وعند الحنفية بصيغة: «الاعتبار للمعنى لا للألفاظ» [الأشباه والنظائر لابن نجيم: 1/174[؛ وعند الشافعية بلفظ: «هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها؟» ]الأشباه والنظائر للسيوطي:178[؛ وعند الحنابلة بقالَب: «إذا وصلَ بألفاظ العقُودِ مَا يُخرجها عن موضوعها فهل يفسُد العقد بذلك أو يجعَل كنايةً عمَّا يمكنُ صحّتُه على ذلك الوجْه؟» ]القواعد لابن رجب:48[.
وهذا الاختلاف مُنْبَنٍ على الاختلاف في ترجيح أحدهما (اللَّفظ أو القصد) وَفق ما يعتمده كلّ مذهب.
والضابط لهذه القاعدة أورده الزركشي في منثوره؛ حيث حصر حالات اعتبار أحدهما دون الآخر وفق ما يلي:
الضابط الأوَّل: إن ناقض آخر اللَّفظ أَوَّلَه؛ فالعبرة بالمعنى، كَبِعْتُكَ بلا ثمنٍ.
الضابط الثَّاني: إذا كانت الصيغة أشهر في مدلولها من المعنى؛ فالأرجح اعتبار الصيغة.
الضابط الثَّالث: إذا كان المعنى أشهر في مدلوله من الصيغة؛ فالأصح اعتبار المعنى.
الضابط الرَّابع: إذا استوت الصيغة والمعنى في الدلالة؛ فالأصح اعتبار الصيغة لأنها الأصل والمعنى تابع لها. [المنثور في القواعد الفقهية للزركشي: 2/374].

وممّا يدلّ على ترجح الصِّيغة على المعنى في هذه المسألة:

أولاً: قاعدة: اللفظ أرجح في مدلوله المشهور من معناه المقصود لصاحبه:

فقول الأب: «اخدموا واتهلاو في خاوتكم» ليس صريحا في الإجارة؛ بل يُحمل على أنَّه عارية للمحلّ من الأب لأبنائه الكبار؛ والعقد إنما ينعقد هنا بصيغته وما يدلّ عليه؛ لكون الصيغة أشهر في مدلولها من المعنى؛ فالأرجح اعتبارها.

ثانياً: القصد العرفي عاضد لمقتضى اللفظ:

قول الأب: «اخدموا واتهلاو في خاوتكم» لفظٌ مدلوله في عُرْف الجزائريين، ومشهورِ استعمالهم، محمولٌ على أنه تبرُّع بمنفعة المحلِّ؛ وليس إجارةً، ويعدّ -في الوقت نفسه- توكيلًا منه في التصرُّفات القانونية التي يحتاجها عمل المحل، في مقابل أن تكون النَّفقة منهم على إخوتهم الصغار؛ وقد راعى ابن القاسم العرف في الوكالة إذا كان مبيِّنًا للقصد؛ فجعله مقدَّمًا على اللفظ في حال التعارض، فكيف بهما إذا عضَد أحدهما الآخر ]شرح المنهج المنتخب للمنجور: 2/579[، والمراد: أنّ القصد العرفي لمدلول عبارة الأب في لهجة الجزائريين جاء موافقًا للصيغة اللفظية، ومبيِّنًا لها.
وعليه فقول الأب: «اخدموا واتهلاو في خاوتكم» صيغة أشهر في مدلولها من المعنى لما سبق سرده من الأدلة؛  فالأرجح اعتبارها.

ثالثا: نفقة الإخوة الكبار على أبيهم وإخوتهم الصغار تبرُّع لا رجوع فيه:

تقدّمت الإشارة إلى أنّ ما كان من نفقة الأبناء الكبار على إخوتهم الصّغار -قبل دخولهم في العمل معهم- وما كان يقتطعه الأب لنفسه؛ سبيلُه سبيل التبرُّع لا المعاوضة؛ وقد صرّح الفقهاء بأنَّ التبرُّع على ذوي الأرحام لقصد الصّلة جارٍ مجرى الصدقة، لا يجوز الرجوع فيها بحال؛ لأنّ صلة الرّحم لا تراد لغير الله، ولذلك لا يجوز أن يُثاب -أي يُعتاض- منها؛ قال ابن الجلاّب في التفريع: «ومن وهب هبة لصلة رحم فليس فيها مثوبة» [التفريع: 2/315]. وقال ابن أبي زيد في الرسالة: «والهبة لصلة الرحم أو لفقير كالصدقة لا رجوع فيها» [الفواكه الدواني: 2/155].

رابعا: ولا يجوز الرجوع في التبرُّع إلا على شرط؛ ودليل ذلك:

من السُّنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًّا» [السنن الكبرى للبيهقي: 14432[.
ووجه دلالته: أنَّه لا يجوز للمسلمين الرجوع في الشروط التي يلتزمونها بعضُهم تُجاه بعض؛ إلَّا ما خالف الشرعَ منها؛ ويشهد له ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَا كان من شَرْطٍ ليس في كتابِ اللَّهِ، فهو بَاطِلٌ وإِن كان مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» ]صحيح البخاري: 2168، صحيح مسلم:1504[.
فما كان من الأبناء الكبار من التزامٍ لقول والدهم: «اخدموا واتهلاو في خاوتكم» محمولٌ محمل قبول الالتزام بشرط؛ مفاده الانتفاع بالمحلّ مقابل النفقة على إخوتهم الصغار، فإن كان الحال كذلك فليس لهم الرجوع؛ لأنَّ الشرط ملزمٌ.
وإن كان ما صدر من الأبناء الكبار تُجاه أبيهم من التزامهم لقوله: «اخدموا واتهلاو في خاوتكم»؛ وقبولَهم للنفقة على إخوتهم الصغار على جهة البرِّ والاحترام، والتودُّد وصلة الرَّحم؛ فهو تبرُّع لا يجوز الرجوع فيه؛ لأنهم لم يشترطوا الإرجاع، فلا يجوز لهم الرجوع عليهم انتهاءً لأنهم لم يُلْزِمُوهم ابتداءً.
من كلام الفقهاء: أنَّ الاعتصار في التبرّعات لا يكون إلاّ بشرط:
الِاعْتِصَارُ هو: «ارتجاع الـمُعْطي عطيّةً دُونَ عِوَضٍ لا بِطَوْع الـمُعْطَى» [شرح حدود ابن عرفة للرّصاع: 427[.
والاعتصار يكون في التبرّعات بشرط؛ قال الخرشي: « واعلم أنّ الاعتصار مختصٌّ بالهبة وحدها وما في معناها من العطيّة والمنحة وما أشبه ذلك، دون الصّدقة والحبس، وكذلك الهبة والعطية والمنحة وما أشبه ذلك إذا قال فيه: هو لله تعالى، أو جعله صلة رحم، فلا اعتصار في ذلك، كما أنّ الصدقة إذا شرط اعتصارها فله شرطه» ]شرح مختصر خليل للخرشي 7/114[.
فإذا كانت نفقة الإخوة الكبار على إخوتهم يراد بها وجه الله تعالى؛ فهي تبرّعٌ كالصدقة والهبة وما في معناهما؛ لأنَّ «الاعتصار لا يكون في الصّدقات إلاّ بشرط» كما تقرَّر. ]البيان والتحصيل لابن رشد: 13/475[.
فحاصل الكلام أنّ ما خرج من الإخوة الكبار لأبيهم وإخوتهم تبرُّعٌ جارٍ مجرى الصدقة؛ فلا رجوع فيه إلاّ أن يكون الأب اشترط الأب على كبار أبنائه أن يعملوا في المحل في مقابل نفقة مقدرة معلومة يؤدونها إلى إخوتهم الصغار.

خامسا: استحقاق الأب كراء المثل في حال التنازع:

إذا شحَّ الأب في حياته فطلب حقَّه اعتبرناه إجارة؛ قال الدسوقي: «واعلم أنّ الإجارة قد يُقضَى بها شرعًا، وإن لم يحصل عقد» ]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/2[. فإذا كان كذلك صار العقد كراءً فاسدًا؛ لجهالة الأجرة والأجل وفساد الصيغة، (أي: كأنّ الأولاد اكْتَرَوْا كراءً فاسدًا والأب أَكْرَى كراءً فاسدًا)؛ فيكون كسبهم لهم؛ ويترتّب عليهم كراء المثل وفي هذا يقول البَراذُعي: «ولو أعطيتَه الدّابةَ أو السفينةَ أو الإبلَ ليعمل عليها، على أنّ ما أصاب بينكما لم يجز ذلك، فإن عمل عليها فالكسب ههنا للعامل، وعليه كراء المثل في ذلك ما بلغ» ]التهذيب في اختصار المدونة للبراذعي: 3/347[.
والمُراد بكراء المثل: العوض الذي يُدفع نظير استيفاء منفعةِ عينٍ مماثلةٍ للعين، ويُحدَّد باعتبار جميع المواصفات التي تتسم بها العينُ. ]الوسيط للسنهوري: المجلد6: ج1/171[.
لذلك فإنّ المعتبر في كراء المثل في هذا المحلّ جميع مواصفاته (من مساحة؛ وموقع؛ وتهيئة …)؛ كما يمكن الاستعانة في تحديده بأهل الخبرة في كراء المحلاّت؛ وكذا أجرة المحلاّت المجاورة.
ويظهر أنَّ تحديد قيمة هذا العوض خاضعةٌ لعرف النّاس وعاداتهم. ومعلوم أنَّ:
. العادة مُحَكَّمَةٌ: أي المرجع في تحديد الأثمان في المعاوضات؛ ما جرى عمل النّاس به في أمثال تلك المعاوضة.
. العُرْف كَالشَّرْطِ: لـمَّا كان المعتبر في تحديد كراء المثل ما تعارف عليه النّاس؛ صار كالشَّرط ولو لم يكن نصٌّ عليه؛ إذ المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا. ]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/2[.
وينبغي التنبيه على: أنَّ المالكية يفرِّقون بين موضوعي الإجارة والكراء؛ فخصُّوا تمليك منفعة الآدمي باسم الإجارة، ومنافع الْمُتَمَلَّكَاتِ من غير الآدمي كالعقارات والآلات ونحوها باسم الكِرَاءِ. ]مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: 5/389[.

سادسا: اقتطاع الأب المال تبرُّع من أبنائه، إلَّا أن يكون على شرط منهم فيُحاسب عليه:

ما كان الأب يقتطعه لنفسه يدور بين حالتين متقابلتين، هما:

الحالة الأولى: إذا كان على شرط اشترطوه عليه.

فيلزمه الشرط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلاّ شرطا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً» ]السنن الكبرى للبيهقي: 14432[، أي: فيُحاسَب الأب بما أخذ من مال، ويكون ديناً عليه في تركته؛ حقًّا للأولاد الكبار.
والتَّرِكَةُ أو التَرْكَة والتِرْكَة: «ما خلَّفه الميِّت من مال قبل استيفاء الحقوق المتعلِّقة بها» ]المصباح المنير للفيومي: 2/602[.
وما ثبت في ذمّة الأب دينٌ؛ والدَّين من جملة الحقوق المتعلِّقة بالتركة الواجبة القضاء.

الحالة الثّانية: إذا كان على غير شرط اشترطوه عليه.

فهو تبرُّع منهم؛ لأنَّهم رضوا ببذله لوالدهم دون عوض؛ تودُّداً منهم له؛ فلا يُحاسب بما أخذ.

الفقرة الثَّانية من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

أولًا: عمل الأولاد الكبار في المحلّ بأبدانهم ورؤوس أموالهم شركة:

الشَّرِكَةُ هي: «إذْنُ كلِّ واحد مِنَ الْـمتشَارِكَيْنِ لِصاحبه في التصرُّف في ماله أوْ ببدنه لهما (أي: له ولصاحبه) مع تصرُّفهما (أي: مع تصرُّف الشَّريكين)» ]مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: 5/117[.
وهي في (القانون المدني- المادة 416): «عقدٌ بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو اعتباريان، أو أكثر، على المساهمة في نشاط مشترك؛ بتقديم حصّة من عمل أو مال أو نقد؛ بهدف اقتسام الربح؛ كما يتحمّلون الخسائر التي تنجرُّ عن ذلك».
وبما أنَّ الإخوة الكبار اشتركوا بأموالهم في شراء الآلات، وبأبدانهم في العمل؛ فيكون معنى الشركة متحقِّقًا بينهم؛   لتحقُّق محلِّها، وفق ما نص عليه الفقهاء والقانون الجزائري.

انعقاد الشركة باللَّفظ وغيره:

ولا يشترط اللَّفظ في انعقاد الشركة؛ بل تنعقد بما يدلّ عليها لغةً أو عرفًا:

سواء كان قولاً فقط: «كاشتركنا» وما في معناه.

أو فعلاً فقط؛ كخلط المالين والعمل به، قال خليل: «ومثال الفعل الدَّال كما لو خلطا ماليهما وباعا» ]التوضيح:6/336[.
وأَوْلَى إذا اجتمعا. ]التوضيح: 6/336، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/348[.
والأولاد إن لم يُصرِّحوا لفظًا، فخلط أموالهم وعملهم بها يقوم مقام القول، وبذلك تنعقد الشركة.

ثانيا: الأموال المكتسبة من عمل الأولاد الكبار تقسم حال المفاصلة بقدر رؤوس أموالهم في الشركة:

حاصل ما اكتسبه الإخوة الكبار من ربح يكون بينهم بقدر رؤوس أموالهم في شركتهم؛ قال الشيخ خليل: «والربح والخُسْرُ بقدر المالين» ]مختصر خليل: 178[، أي إنَّ ربح مال الشركة وخسارتها يوزَّع على قدر رؤوس الأموال، والمسألة لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: إن اختلفت رؤوس أموال الشركاء؛ فالربح والخسارة يكونان بحسب حصَّة كلّ شريك في رأس مال الشركة.
الحالة الثانية: إن تساوى الشركاء في رؤوس أموالهم فالربح والخسارة بالتساوي.
الفقرة الثَّالثة من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:
التحاق الإخوة الصغار بإخوتهم في الأعمال له حالتان:
الحالة الأولى: إن كان بالعمل ليس غير؛ فالإخوة الصغار أُجَرَاءُ لا شركاء:
يعتبر الإخوة الصّغار أُجَراءَ لا شركاء؛ لأنَّ الإخوة الكبار اختصُّوا بشراء أدوات العمل؛ ممّا يجعل الخسارة والضمان عليهم دون الصّغار الذين تعتبر أيديهم أيدي أمانة، ولو اشترك الإخوة جميعا لكان غررا بيِّنًا؛ للتعارض بين يدي الضمان والأمانة ]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/361[، والإخوة الصّغار مستحقُّون بذلك أجرة المثل.
وأجرة المثل: العِوَض الذي يكون نظير (مقابل) الأعمال المماثلة للعمل المبذول ]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/2[.
وتُحدَّد أجرة المثل استعانةً برأي أهل الخبرة؛ أو بما يقدَّم من أوراق ومستندات تفيد ما يُدفَع في الأعمال المماثلة للعمل الذي قام به الأجير. ]الوسيط للسنهوري: المجلد6: ج1/171[.
وما أخذه الإخوة الصِّغار بعد الكِبَر والمشاركة في العمل لا يخلو من كونه:
أقلَّ من أجرة المثل: فللإخوة الصِّغار حقُّ استيفاء أجرتهم تعويضًا للنَّقص الحاصل.
أو أكثر من أجرة المثل: فليس للإخوة الكبار الرجوع على إخوتهم بما زاد؛ لأنه تبرُّع منهم.

الحالة الثانية: إن كان بالعمل ورؤوس الأموال؛ فالإخوة الصغار شركاء مع الإخوة الكبار:

على ما ذُكِر فيما سبق أنّ الشركة تنعقد بكلّ ما يدلّ لغةً أو عرفًا على انعقادها؛ وهو المتحقِّق هنا، والمسألة -كسابقتها- لا تخلو من حالتين:
الحالة الأولى: إن اختلفت رؤوس أموال الشركاء؛ فالربح والخسارة يكونان بحسب حصّة كلّ شريك في رأس مال الشركة.
الحالة الثانية: إن تساوى الشركاء في رؤوس أموالهم فالربح والخسارة بالتساوي.

الفقرة الرابعة من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

النفقات المقتطعة من الشركاء تحسب من أرباحهم عند المفاصلة:
النَّفقات المقتطعة -قبل فصل الأرباح- من الأخ الكبير المعيَّن للتصرف ومن إخوته الشركاء تُحسَب من ربح كلّ واحد منهم حال المفاصلة (عزل الربح عن رأس المال وقسمته).
ودليل ذلك: القياس على مسألة الانفراد بجزء من الربح في القراض قبل المفاصلة:
والقراض هو: «تمكين مال لمن يتّجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة» ]شرح حدود ابن عرفة: ص379[.
ولا يجوز للعامل في القراض أن ينفرد بأخذ نصيبه من الرّبح إلاّ بعد المفاصلة والمقاسمة؛ التي لا تكون إلاّ بحضور رأس المال؛ قال ابن عبد البرَّ: «وما قبضه العامل من الربح قبل أن يتفاصلا؛ فهو له ضامن؛ ولا يجوز لهما أن يتفاصلا حتى يَنِضَّ المال [أي: يتحوّل من سلع إلى أموال نقدية، وذلك ببيع جميع السلع وقبض أثمانها] ويجتمع فيفوز برأس المال؛ ويقتسمان ما بقي بينهما على شرطهما؛ فإن تفاصلا بغير حضور المال، ثم حصل فيه وضيعة (خسارة)؛ ردَّا ما أخذاه، وجَبَرَا به ما نقصهما» ]الكافي في فقه أهل المدينة: 2/776[؛ لأنَّ ما يلحق رأس المال من خسارة يُجبر من الربح؛ ولو كان نصيبُ العامل من الربح  قبل المفاصلة داخلًا في ملكه؛ لما جُبِرت الخسارة منه كما لم تجبر به بعد المفاصلة؛ أما وإنّها تُجبَر من الربح فهو ليس ملكه قبل التَّفاصل. ]الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب: 2/645[.
فكما لا يجوز للعامل في القراض أن ينفرد بملك نصيبه من الربح إلا بعد المفاصلة؛ لا يجوز لأحد من الإخوة أن ينفرد بملك نصيبه من الربح إلاّ بالمفاصلة؛ لعلَّة ترتُّب الضَّمان على عدم الملك قبل المفاصلة.

الفقرة الخامسة من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

الأب شريك في المحل الثَّاني بما حُدِّد له في عقد الكتابة:
العقد هو: «ارتباطُ إيجابٍ بقبولٍ على وجهٍ مشروعٍ يثبت أثره في محلِّه». ] مجلة الأحكام العدلية المادة: 103/104[.
والعقد لازم: لقوله تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» ]أبو داود: 3594[.
وتعريف العقد في القانون الجزائري لا يخرج عن التعريف الشرعي في كون العقد ملزمًا؛ فقد جاء في المادة 54(معدّلة) من القانون المدني: «العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما».
وتعتبر الكتابة من طرق التعبير عن الإرادة: وهو ما دلَّت عليه المادة 60 من القانون المدني الجزائري التي بيَّنت أنَّ: «التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المتداولة عرفًا؛ كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أيّ شكّ في دلالته على مقصود صاحبه».
والعقد ملزم؛ ولو كان الالتزام بإرادة منفردة: وقد جاء في المادة 56 أنَّه: «يكون العقد ملزما لشخص أو عدة أشخاص إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من هؤلاء الآخرين».
وبما أنَّ الأولاد أدخلوا الأب في المحلّ الثاني بعقد الكتابة [التعبير بعقد الكتابة في العرف الجزائري يراد به: توثيق الممتلكات الموهوبة لدى الجهات الرسمية]؛ فإنّ هذا ملزمٌ لهم، وهو بمقتضى ذلك شريكٌ لهم بالحصّة التي حُدّدت له، إذا حدّدوا لكلّ واحد حصته، فإن اكتفوا بقولهم: المحلّ شركة بيننا، أو: نحن شركاء فيه، فالحصص متساوية، والأب والأبناء في ذلك سواء.
وما كان من الأولاد الكبار تجاه أبيهم في تمليك المحلّ الثاني يعدّ عطية؛ لأنّه على ظاهر ما جاء في الاستفتاء كان من قبيل الإكرام والاحترام؛ تودُّداً لأبيهم وصلةً للرّحم؛ وفعلُهم مندوبٌ إليه شرعًا؛ خاصّةً وقد تعلّق بأحد الوالدين؛ لتظافر النصوص الشرعية التي تدعو في عمومها إلى الإحسان إليهما وبرِّهما؛ كقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الأنعام: 151].
فيكون ما أُعطِي للأب حقًّا ثابتاً له؛ لا يحقّ لهم الرجوع عليه فيما أعطوه؛ لا في حياته ولا بعد موته، وقد أثبتنا سابقا أنَّه لا رجوع في التبرّع بين الأقارب.

الفقرة السَّادسة من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

الإخوة شركاء في المحلّ الثَّالث ما عدا أصغرهم:
وهذه المسألة كسابقتها في كون الإخوة- عدا أصغرهم- شركاء في المحلّ الثالث، بموجب الكتابة، وحصّة كلّ فرد تتعيّن بما حُدِّدَ في عقد الكتابة، وإلاّ فهم شركاء بالتساوي في حال عدم التعيين؛ ويكون بذلك الإخوة الكبار متبرّعين بما كان منهم للإخوة الصّغار؛ كما بينّاه قبل.
ومثل ذلك يقال في الأرض والبناء القائم فوقها، ويدخل معهم أخوهم الأصغر إن لم يستثنوه، كما استثنوه في كتابة المحلّ الثالث.

الفقرة السابعة من الخلاصة: المسائل المندرجة تحتها وأدلتها:

أوَّلا: الميراث يكون في أعيان التركة لا في قيَمها:

الأخت لها حقٌّ في جزء من التركة خالياً من الحقوق المتعلّقة بها (نفقة تجهيز الميت؛ الديون؛ الوصية) ]حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 4/618، شرح مختصر خليل للخرشي: 8/198[؛ أي لها حقّ الإرث بسبب القرابة لقوله تعالى: (للرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّـمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّـمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [النساء: 7].
وهذا الحقّ يثبت لمستحقّيه في أعيان التركة (ذوات الأشياء المتروكة) لا من قِيَمها.
فللبنت الحقّ في أخذ حصّتها من أعيان التركة؛ ولا يجوز لإخوتها إجبارها على أخذ مبلغ معيَّن حتّى ترضى؛ لأنّه من قبيل المخارجة؛ وقد يعبّر عنها المالكية بالصُّلح.
والصُّلح هو: «الانتقال عن حقٍّ أو دعوى بعوضٍ، لرفع نزاع؛ أو خوف وقوعه». ]شرح حدود ابن عرفة للرصاع: 1/314[.
وإذا صُولِح الوَارِثُ بشيء من غير التركة فهو بيع؛ أي: إنَّ حكمه حكم البيع. ]حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/315، شرح حدود ابن عرفة للرَّصاع: 1/315[، والوارث مالك، فلا يصحّ البيع دون رضاه؛ إذًا: ليس لأحد من الإخوة الحقّ في إجبار أختهم على أخذ مبلغ معيّن دون رضاها؛ قلّ المبلغ المعطَى لها أو كثُر.
وليس لها هي أيضًا أن تلزمهم بأيّ مبلغ لذات المعنى والسّبب؛ فهم كذلك مالكون لا يصحّ إلزامهم بأيِّ مبلغٍ حتى يرضوا.
وحصّة البنت من الميراث محصورة في المحلّ الأوّل وفي حصّة الأب من المحلّ الثاني، وغير ذلك ممّا ترك من الأعيان والنقود إن كانت له تركة.

ثانيا: طريقة حل المسألة: لبيان سهام كل وارث:

أصل المسألة: المسألة اشترك فيها صاحب فرض واحد (الزوجة) والباقي عصبات؛ فأصلها من مخرج الفرض؛ وهو الثُّمن 1/8.
نوع المسألة: مسألة ناقصة؛ لأنَّ نصيب صاحبة الفرض أقلُّ من أصل المسألة.
ولمعرفة عدد السهام: نحدد الوارثين وطرق إرثهم؛ وشروطه؛ وهم:
الزوجة: من أصحاب الفرض؛ وفرضها الثمن لوجود الفرع الوارث؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ممَّا تَرَكْتُمْ) [النساء: 12].
– والأبناء والبنت؛ عصبة: ومعلوم أنَّه عند اجتماع ذكر وأنثى فصاعدا من نفس الدرجة؛ فللذكر ضِعْفَا ما الأنثى؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء: 11].

فيكون حلّ المسألة كالتالي:

أصل المسألة: 8الورثةالفرض
لوجود الفرع الوارث.الزوجة1/8
لوجود الأخت.الأبناءعصبة (للذكر مثل حظ الأنثيين)
لوجود الإخوة.البنتعصبة (للذكر مثل حظ الأنثيين)
7 أولاد وبنت لكل ولد نصيبان وللبنت نصيب فيكون مجمل الأنصبة 15 (7×2+1=15).

وتصحيح المسألة هو: اختيار الكسر الذي يقبل القسمة على أنصبة الورثة.

وبما أنَّ أصل المسألة (8) لا ينقسم على عدد أنصبة الإخوة؛ فيكون التصحيح من عدد الأنصبة 15؛ فتصحّ المسألة من: 15×8=120
الورثةالسهامما تصح منه المسألة: 120
الزوجة15/120 
الأبناء105/120الابن الواحد: 14/120
البنتالبنت: 7/120
المتبقي من السهام من (120-15) هو 105. يقسم على العصبة 15 فيكون نصيب البنت 7 أسهم وضعفه للابن الواحد 14 سهم. 

تنبيه ختامي:

إعطاء كلّ وارث نصيبه من تركة الأب؛ يحتاج إلى تقييم دقيق ومحاسبة مفصلة لإجمالي ما ترك؛  تشمل كلّ مرحلة من المراحل السابق ذكرها؛ منذ إذنه لأولاده في الانتفاع بالمحلّ إلى غاية وفاته.
العمل في مثل هذه المسائل يدور بين الصلح والقضاء، والمصالحة مفضّلة دائماً؛ لقوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128]؛ وذلك لقيام الصُّلح على مبدأ التَّراضي والمسامحة الذي من شأنه دفع الغلِّ، وتطييب النفوس، وجبر الخواطر؛ بخلاف القضاء الحاسم فإنه يوغر الصدور؛ حيث يقوم على مبدأ الإلزام والجبر، وكلا الأمرين – المصالحة أو القضاء – يحتاج إلى مجالسات؛ ووقوف على دقائق وتفصيلات، واطِّلاعٍ على توثيقات؛ يُدْلي بها الأطراف المعنيُّون.
والله تعالى أعلى وأعلم