صدرت بتاريخ: الجمعة 19 صفر 1441ه
مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]
جوابًا على السؤال الآتي:
أنا شاب جزائري؛ استفدت من قرض أونساج (بصيغته الأولى حيث يدفع المقترض فائدة بنسبة 6%)، وعملت بهذا المال مدة طويلة، والآن زاد رأس ماله وتضاعف، فما حكم الشرع في هذا المال؟
خلاصة الاستشارة:
عقد أونساج بصيغته الجديدة المتضمنة لبند يقتضي دفع فائدة 1%؛ ليس من طرف المقترض، ولكن تدفعها الدولة للوكالة؛ هو موضوع استشارة أخرى، نجيب عليها لاحقا.
أمّا عقد أونساج بصيغته القديمة المتضمنة لشرط دفع المقترض لفائدة 6% من قيمة القرض فهو عقد ربوي، باطل ومحرّمٌ شرعا، لتضمّنه الشرط الباطل، وهو الربا.
وهذا العقد لا يجوز الإقدام عليه ابتداء، وإذا دخل فيه الشخص وجب عليه المسارعة بالتحلّل منه، بردّ المال إلى الجهة المقرضة (الوكالة)، والواجب شرعا على الجهة المقرضة أن تُسقط عنه شرط الفائدة، وحيث إنّ الوكالة لا تسقط هذا الشرط، وتعرّض المقترض للمتابعة القانونية إذا لم يسدّد ما عليه؛ فيتعين عليه تسديد تلك الفائدة أسرع ما يمكن.
وهل تتعدّى الحرمة إلى الربح الناتج عن استثمار المال المحرم؟ للفقهاء في ذلك مذاهب، والذي عليه سادتُــنا المالكية أنّ الربح يتبع العمل، لا أصل المال، فيحلّ له الربح، ولكن ذكر بعض فقهائنا أنّه لا يطيب إلاّ إذا رَدَّ أصلَ المال المحرّم لصاحبه، كما أنه لو تصدّق بذلك الرّبح كان أفضل.
أولا: تصوير المسألة:
القرض المشترط فيه الزيادة هو قرض فاسد، والمال المقبوض بالقرض الفاسد، كالمقبوض بالبيع الفاسد، فإنّ فاسد القرض يُردّ إلى فاسد أصله (أي أصل القرض، وهو البيع).
وعلى هذا الأساس؛ تأخذ مسألة زيادة المال المقبوض بقرض فاسد حكم زيادة المبيع بيعا فاسدًا.
كما تقاس المسألة على حكم زوائد المغصوب، بجامع نماء المال في يد ضامنة له؛ إذ المال المقترَض والمغتصَب كلاهما مضمون على المقترِض والغاصب.
وإذا كان كذلك، فمذاهب العلماء في المسألة كالآتي:
ثانيا: حكم المسألة:
الحنفية والمالكية:
ذهب أبو حنيفة في المبيع بيعًا فاسدًا إلى أنّ الزيادة المنفصلة غير المتولّدة من الأصل، كالكسب، لا تُضمن.
وهو مذهب الحنفية في زوائد المغصوب إذا كانت من الأكساب الحاصلة باستغلال الغاصب، فإنّها غير مضمونة وإن استهلكها. ولكن قال أبو حنيفة فيمن اتجر في مال غيره بغير إذنه: يجب عليه التصدق بالربح.
كما ذهب المالكية إلى أنّ المبيع بيعًا فاسدًا لا يردّ المشتري غلّته، بل يفوز بها. وأنّ غَلَّة المغصوب إذا تحوّلت عينُها (كالدنانير فيتّجر فيها، والحبّ يزرعه، فالغلّة له) [أي: للغاصب]. وحكى اللخمي أقوالاً فيمن غصب دراهم أو دنانير؛ هل يغرم ما يربح منها أو ما كان يربح فيها صاحبها؟ وعقّب على ذلك الخرشي بقوله: (الراجح أنّ الربح للغاصب مطلقا كما أفاده بعض الشيوخ، خصوصا وقد علمت أنه كلام مالك وابن القاسم، وحكى الاتفاق عليه ابن رشد).
وزاد ابن أبي زيد: (ولا يطيب لغاصب المال ربحه حتى يردّ رأس المال على ربه، ولو تصدق بالربح كان أحبّ إلى بعض أصحاب مالك).
ومما هو واضح أيضا من مذهب المالكية في هذه المسألة قولهم في القراض (المضاربة) إذا فسد: إنه يؤول إلى قرض فاسد، وأن الربح في ذلك للعامل كما عليه الخسارة.
الشافعية والحنابلة:
ذهب الشافعية إلى أنّ من اشترى شيئا شراءً فاسدًا، ثمّ قبضه، لم يملكه بالقبض، ولا ينفذ تصرّفه فيه، ويلزمه ردّه، وعليه مؤنة ردّه كالمغصوب. وأنّ ما حدث من الزوائد المنفصلة كالولد، والثمرة، والمتصلة كالسِّمَن، وتعلّم صنعة، مضمون على المشتري كزوائد المغصوب. وقالوا في زوائد المغصوب: منفصلةً كانت كالولد والثمرة والبيض، أو متّصلة كالسِّمَن وتعلّم الصنعة؛ إنّها مضمونةٌ على الغاصب كالأصل، سواء طلبه المالك بالردّ أم لا.
ولكن: قالوا في الغاصب إذا اتجر في المال المغصوب قولين: الجديد: أرباحه للغاصب، القديم: أنّ ذلك موقوف على إجازة المالك.
وذهب الحنابلة: إلى أنّ تصرّف المشتري في المعقود عليه عقدًا فاسدًا لا ينفذ لعدم ملكه، ويضمنه القابض، ويضمن زيادته بقيمته إن كان متقوّما، وإلا فبمثله.
وذلك كالمغصوب إن زاد بيد الغاصب أو غيره لزمه ردّه بزيادته، متّصلة كانت كالسِّمَن وتعلّم صنعة، أو منفصلة كالولد، والكسب؛ لأنّه من نماء المغصوب، وهو لمالكه فلزمه ردّه كالأصل.
وسبب الخلاف:
كما قال ابن رشد: اختلافهم في تعميم قوله صلى الله عليه وسلم: ﴿الخراج بالضمان﴾[أبو داود: 3508]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ليس لعرق ظالم حقّ﴾ [أحمد: 22778]. فمن قصر حديث: (الخراج بالضمان) على سبب وروده؛ قال: إنما تجب الغلة من قِـــبَل الضّمان فيما صار إلى الإنسان بشبهة، مثل أن يشتري شيئا فيستغلّه فيستحقّ منه. وأمّا ما صار إليه بغير وجه شبهة فلا تجوز له الغلّة لأنّه ظالم، و(ليس لعرق ظالم حقّ)، فعمّم هذا الحديث في الأصل والغلّة، وخصّص الآخر.
وأمّا من عكس الأمر؛ فعمّم قوله صلى الله عليه وسلم: ﴿الخراج بالضمان﴾ على أكثر من السبب الذي خرج عليه، وخصّص قوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ليس لعرق ظالم حقّ﴾ بأن جعل ذلك في الرقبة دون الغلّة، قال: لا يردّ الغاصب الغلة.
والذي تأخذ به الهيئة هو مذهب المالكية: أنّ الربح للعامل في مقابل الضّمان، ولكن يُندب لهذا المقترض قرضًا فاسدًا أن يتصدّق بالربح. وممّا يشهد للتصدق بالربح قضاء عمر بن الخطاب في شأن أبي موسى الأشعري حينما أقرض ابنيه من مال الفيء، وخصّهما بها دون سائر المسلمين، فرأى عمر بن الخطاب أنّ ذلك محاباة لهما لا تجوز، وكان المال قد ربح ربحا كثيرا، فأمرهما أن يدفعا المال وربحه إلى بيت المال، وأنه لا شيء لهما من الربح، لكونهما قبضا المال بغير حق، فقال له ابنه عبيد الله: إنّ هذا لا يحلّ لك، فإنّ المال لو خسر وتلف كان ذلك من ضماننا، فلماذا تجعل علينا الضمان ولا تجعل لنا الربح؟ فتوقف عمر، فقال له بعض الصحابة: نجعله مضاربة بينهم وبين المسلمين، لهما نصف الربح، وللمسلمين نصف الربح، فعمل عمر بذلك. [رواه مالك في الموطأ، باب ما جاء في القراض، رقم: 1372].
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
أعضاء الهيئة الموقعون على الفتوى
الشيخ لخضر الزاوي// أد. عبد القادر جدي// د. عبد العزيز بن سايب// أ. ســير كيجـاور // أد. عبد الـحق حميش// د. محمّد هندو.