صدرت بتاريخ: الجمعة 06 محرم 1441ه
مجال الاستشارة: الفقه [الأحوال الشخصية]
جوابًا على السؤال الآتي:
شابة تبنتها عائلة منذ ولادتها، وسموها باسمهم العائلي، قبل فترة توفت المرأة التي تبنّتها، ومع حادثة الوفاة علمت لأول مرة أنها متبناة، وليست بنتا حقيقية لتلك العائلة، وهي لا تعلم شيئا عن والديها الحقيقيين، وهي الآن مخطوبة، ولكن لمـّا علم الخاطب بكونها ليس بنتا حقيقية لتلك العائلة؛ طلب تغيير الاسم؟ فما حكم بقائها حاملة لاسم التبني إذا تعذّر تغييره، أو لم يتعذّر، وهل لذلك أثر في زواجها؟
خلاصة الاستشارة:
التبني محرم شرعا بالنص الصريح القطعي من الكتاب والسنة، وبإجماع الفقهاء على ذلك، كما أنه ممنوع وفقا لقانون الأسرة الجزائري (المادة: 46)، لما فيه من الخلط بين الأنساب، وتضييع الحقوق، مثل: الزواج، والميراث، ويجب على كل من المتبني والمتبنى إبطال التبني في المحكمة، وفق الإجراءات القانونية.
أمّا الكفالة فهي جائزة، بل هي من أعمال البرّ العظيمة، ويسمح بها قانون الأسرة الجزائري، وتسمية المكفول باللقب العائلي للكفيل، مع التنصيص على كونه مكفولا في وثائق الحالة المدنية، بحيث لا تترتب على التسمية حقوق وواجبات النسب، وإنما من باب التنشئة النفسية السليمة للطفل؛ فهو جائز، تشبيها له بالولاء عند العرب.
والفرق بين التبني والكفالة، أن المتبنَّى تثبت له حقوق الولد الأصلي في الولاية والميراث والنفقة ونحوها، كما تنشأ بينه وبين أصول المتبني وفروعه وحواشيه مختلف الصلات النسبية التي تترتب عليها أحكام النسب والمصاهرة والميراث وغيرها، أما الكفالة فهي تتضمن تمام رعاية الطفل، والعطف عليه، وتربيته، والنفقة عليه، لكن من غير أن تثبت له حقوق الولد الأصلي، ولا تنشأ عنها علاقات النسب المختلفة.
ومجرد حمل الفتاة اسم التبني أو الكفالة لا أثر له على زواجها، ما لم تكن بينها وبين الخاطب علاقة محرمية حقيقية، ولكن إبطال التبني واجب في حقّها، وفي حال كونها مكفولة قد تنصح بتغيير لقبها لتفادي أي إشكالات اجتماعية مستقبلية.
أولا: تــصوير المسألة:
لم تحدّد السائلة بالتدقيق ما إذا كانت الحالة المسؤول عنها هي حالة تبني -وإن كان هذا هو الظاهر من سؤالها-، أم كفالة مع إعطاء اللقب العائلي، وفي الحالتين، فالحكم كالآتي:
ثانيا: حكم المسالة:
التبني وهو: جعل المتبنّى كالولد الأصلي في جميع الحقوق والواجبات المترتبة على الأبوة والبنوة، ويتعدى ذلك إلى أحواله الشخصية من ولاية على النفس والمال، وأحكام الزواج، وأحكام الميراث، وغيرها، محرم شرعا، لما فيه من تزوير الأنساب، قال الله تعالى: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ﴾ﱠ[الأحزاب: 4-5].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿من ادَّعَى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام﴾ [البخاري: 6766].
وقال: ﴿لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كُفْر﴾ [البخاري: 6768].
وقال: ﴿… ومن ادَّعَى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا﴾[مسلم: 1370].
وأجمع الفقهاء على تحريم التبني، كما أنه ممنوع في قانون الأسرة الجزائري، المادة رقم: (46).
أما الكفالة، وهي: (القيام على شأن الولد الصغير بالنفقة على أموره المادية والمعنوية، من طعام وشراب وكسوة وعلاج، وتعليم، وتربية نفسية وعقلية، ورعايته والسعي في مصالحه، حتى يكبر ويستقلّ بنفسه)، فهي جائزة شرعا، بل هي من أعمال البر العظيمة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا﴾، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى [البخاري: 6005].
وإعطاء لقب عائلة الكفيل للمكفول المجهول النسب، مع إثبات كونه مكفولا في السجلّات، ووثائق الحالة المدنية، بحيث لا يمكن إثبات أيّ حقوق نسبية له، ولا حرمانه من حقوق له بسبب ذلك، فهو جائز، لما فيه من المصلحة، وهي التنشئة النفسية السليمة للطفل إلى أن يكبر، ولتسهيل الاستفادة من حقوق التعليم والمنح الدراسية، ونحوها.
كما أنّ العلّة الشرعية في تحريم التبنّي منتفية حال الكفالة بهذه الصفة، التي لها شبه بما كان معروفا لدى العرب من الانتماء للقبيلة بالولاء، فيقال فلان مولى فلان، أو مولى بني فلان، والإسلام قدّ أقرّ التسمية بالولاء، وقال صلى الله عليه وسلم: ﴿الولاء لحمة كالنسب﴾ [عبد الرزاق: 16149].
وبناء عليه:
– فإذا كانت الفتاة متبناة -كما هو الظاهر من سؤالها-؛ فالواجب عليها وعلى العائلة المتبنّية إبطال هذا التبني وفق الإجراءات القانونية.
– وإذا كانت مكفولة؛ فلا يضرّها اللقب العائلي للأسرة التي كفلتها، بالنظر لكون وثائق الحالة المدنية تنص على عدم النسب لهذه العائلة، وليس لحملها ذلك اللقب أي أثر على صحة زواجها. ولكن إذا كان هذا اللقب يسبّب لها إشكالا في زواجها، فلها أن تتقدّم إلى المحكمة بطلب تغيير الاسم، وفق للإجراءات المعمول بها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
أعضاء الهيئة الموقعون على الفتوى
الشيخ لخضر الزاوي// أ.سـمـير كيجاور// أد.عــبد الـقادر جـدّي// أد.عبد الـحق حـمـيش // أ.مـحـمّد سـكحال// د.عبد العزيز بن سايب// د.محمّـد هنـدو// أد.يــونـس صـوالــحي.