صدرت بتاريخ: الخميس 01 ذو الحجة 1440ه
مجال الاستشارة: الفقه [المعاملات المالية]
جوابًا على السؤال الآتي:
أنا صاحب عائلة تتكوّن من خمسة أفراد، أعيش في بيت أستأجره منذ ست سنوات، أعمل أنا والزوجة في قطاع التعليم العالي، يبلغ دخلنا عشر ملايين سنتيم ونصف، لذلك لا يحق لي المشاركة في أي صيغة من صيغ السكن ما عدا الترقوي LPP، وضعت طلبي في 2013، وقُــبِــل، وكان ثمن الشقة يومئذ 800 مليون سنتيم، دفعت 150 مليون سنتيم، ثم صار مبلغ السكن 1مليار و60مليون، اليوم السكن جاهز، ولاستلامه لا بد من دفع المبلغ المتبقي 910 مليون. قصدتُ بنك البركة فوجدتهم لا يتعاملون مع LPP. قصدت بنك السلام، قالوا هناك معاملة اسمها (مشاركة)، وبالاطلاع على صيغتها وجدت أنّ ثمن البيت بعد دفع الأقساط يصل إلى مليار و700مليون، مع هامش ربح لهم يقدّر بــ: 626 مليون، وهو في تقديري ثمن باهض جدا، ومقدار الربح مبالغ فيه، ثم اتجهت إلى القرض الشعبي الجزائري CPA، قالوا نقرضك كل المبلغ المتبقي 910 مليون، مع فائدة تقدّر بـــ 390 مليون. أمّا إن لم أتمكّن من التسديد فلا بدّ من تقديم تنازل لمؤسسة السكن الترقوي LPP، وأفقد فرصتي في السكن، نرجو من حضراتكم الجواب الشافي، وبارك الله فيكم.
خلاصة الاستشارة:
شراء السكن وفق الصيغة المقترحة من طرف بنك السلام؛ يحتاج إلى معاينة العقد، والوقوف على مختلف بنوده، واستصدار الرأي في ذلك بناءً على دراسة مفصّلة لتلك البنود، وهو ما لسنا بصدده في هذه الاستشارة، أمّا شراء السكن بالتعامل مع القرض الوطني الشعبي؛ فهو معاملة ربوية محرمة. وبحسب ما ذكره السائل من مدخوله الشهري هو وزوجته؛ فلا تنطبق عليه حالة الضرورة المبيحة للمحرّم، بالنظر لتمكّنه من الإيجار، ولو لبيت بسيط غير مكلف، وإنّ الصبر على بعض الضيق في الحلال؛ لهو من تقوى الله التي يُستــنزل بها اليُسر والفَــرَج.
أولا: تــصوير المسألة:
شراء السكن وفق الصيغة المقترحة من طرف بنك السلام؛ يحتاج إلى معاينة العقد، والوقوف على مختلف بنوده، واستصدار الرأي في ذلك بناءً على دراسة مفصّلة لتلك البنود، وهو ما لسنا بصدده في هذه الاستشارة، خصوصًا وأنّ السائل يبدو منصرفا عن هذه المعاملة لغلاء فارق الثمن بحسب ذكره. أمّا شراء السكن بالتعامل مع القرض الوطني الشعبي؛ فهو قرض بفائدة ربوية.
وبعد تداول الرأي بين أعضاء الهيئة خلصت بالأغلبية إلى الفتوى الآتية:
ثانيا: حكم المسألة:
القرض الربوي معاملة محرّمة على المقرض والمقترض معا بإجماع الفقهاء، فإنّ المقرِض بالرّبا آكِلُ ربا، والمقترض به موكِلُ ربا. وإنّ من مُـحكَم الشريعة وقطعيّ أحكامها: تحريم أكل الربا وتأكيله، مع ورود الوعيد الشديد لمن يفعل ذلك.
قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ،، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾[البقرة: 285-286].
وقال عزّ وجلّ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَﱠ ﴾[البقرة: 279].
عن عون بن أبي جحيفة، قال: رأيت أبي اشترى عبدا حجّاما، فسألته فقال: ﴿نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الرّبا وموكله، ولعن المصوّر﴾ [البخاري: 2086].
عن جابر، قال: ﴿لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه﴾، وقال: ﴿هم سواء﴾ [مسلم: 1598].
هذا وإنّ السكن من الحاجات الأساسية التي تُـــنــــزَّل منزلة الضرورة لمن كان يعدَم السكن، والضرورة مئــــنّــــة للترخيص واستباحة المحرّم، للقاعدة الإجماعية في ذلك أنّ: (الضرورات تبيح المحظورات)، خصوصًا أنّ تأكيل الربا أخفّ حرمةً من أكله، من حيث هو محرّم لغيره، بينما الأكل محرّم لذاته.
ولكنّ السائل؛ بحسب ما ذكر من مدخوله الشهري هو وزوجته؛ لا تنطبق عليه حالة الرخصة، بالنظر لتمكّنه من الانتفاع بالسكن عن طريق الإيجار، ولو لبيت بسيط غير مكلف، يقع على أطراف الـمدن، حيث تنخفض أسعار الإيجار قليلا؛ فإنّ تمكّنه من ذلك، بحيث يفيض من مدخوله ما يسدّ به بقية حاجاته، ولو لم يتملّك البيت؛ مانعٌ من استباحة الحرمة الشديدة للتعامل بالـــرّبا.
وإنّ الصبر على بعض الضيق في المسكن، أو البُـــعــد عن مركز المدينة؛ بالحلال؛ لهو من تقوى الله التي يُستــنزل بها اليُسر والفَــرَج، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا،،وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:23]، وقال: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاﱠ﴾ [الطلاق: 4].خصوصًا أنّ المأمول من عمل الدولة أن تتابع واجبها في تسكين المواطنين، باستصدار مزيد من الصيغ السكنية المتعدّدة والمقبولة شرعا.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
أعضاء الهيئة الموقعون على الفتوي
الشيخ لخضر الزاوي// د.عبد العزيز بن سايب// أ.سمكير كيجاور// أد.عبد القادر جدي// أد. عبد الحق حميش// د.محمد هندو.